بّسم اللّه الرّحمن الرّحيم
القانون فى الطب لإبن سينا
الكتاب الأول: الأمور الكلية فى علم الطب
الفن الثانى: الأمراض والأسباب والأعراض الكلية
الجملة الثانية: سبب لكلّ واحد من العوارض البدنيّة
● [ الفصل الأول : المسخّنات ] ●
المسخّنات أصناف مثل الغذاء المعتدل في المقدار والحركة المعتدلة، ويدخل فيها الرياضات المعتدلة والدلك المعتدل والغمز المعتدل ووضع المحاجم بغير شرط، فإن الذي يكون مع شرط يبرد بالاستفراغ، وأيضاً الحركة التي هي إلى الشدة والكثرة قليلاً ليس بالمفرط، والغذاء الحار والدواء الحار والحمام المعتدل على ما عرف من تسخينه بهوائه، والصناعة المسخّنة وملاقاة المسخنات الغير المفرطة، كالأهوية والأضمدة والسهر المعتدل، والنوم المعتدل على الشرط المذكور، والغضب على كل حال والهم إذا لم يفرط، فأما إذا أفرط فيبرد الفرح المعتدل، وأيضاً العفونة، وخاصيتها أحداث حرارة غريبة لا غير وفعلها هو التسخين المطلق وهو غير الإحراق، لأن التسخين دون الإحراق لا محالة، ويقع كثيراً ولا يعفن، وقد يحدث قبل التعفن فلأن التعفن كثيراً ما يكون بأن يبقى بعد مفارقة السبب المسخن الخارجي سخونة خارجية فيشتعل في المادة الرطبة فيغير رطوبتها عن صلوحها لمزاج الجوهر الذي هي فيه من غير رد إياها بعد إلى مزاج آخر من الأمزجة النوعية الطبيعية، فإنه قد يغير الحرارة الرطبة إلى صلوحها من مزاج إلى مزاج آخر من الأمزجة النوعية، ولا يكون ذلك تعفيناً بل هضماً. وأما الإحراق فهو أن يميز الجوهر الرطب عن الجوهر اليابس تصعيداً لذلك وترسيباً لهذا. وأما التسخين الساذج فهو أن تبقى الرطوبات كلها على طبائعها النوعية، إلا أنها تصير أسخن. ومن المسخّنات التكاثف في ظاهر البدن، فإنه يسخن بحقن البخار. والتخلخل داخل البدن فإنه بسخن يبسط البخار. ومن عادة "جالينوس" أن يحصر جميع هذه الأسباب في خمسة أجناس، الحركة غير المفرطة، وملاقاة ما يسخن لا بإفراط، والمادة الحارة، مما يتناول، والتكاثف، والعفونة.
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
● [ الفصل الثاني : المبردات ] ●
أما المبردات فهي أيضاً أصناف: الحركة المفرطة لفرط تحليلها الحار الغريزي، والسكون المفرط لخنقه الحار الغريزي، وكثرة الغذاء المفرط مأكولاً ومشروباً، وقلته المفرطة والغذاء البارد، والدواء البارد، وملاقاة ما يسخن لإفراط من الأهوية، والأضمدة ومن مياه الحمامات وشدة تخلخل البدن فينفش عنه الحار الغريزي وطول ملاقاة ما يسخن باعتدال كطول اللبث في الحمام وشدة التكاثف فيحقن الحار الغريزي وملاقاة ما يبرد بالفعل وملاقاة ما يبرد بالقوة، وإن كان حاراً في حاضر الوقت والإفراط في الاحتباس لأنه يحقن الحرارة الغريزة، والإفراط في الاستفراغ لأنه يفقد مادة الحرارة بما فيه من إستتباع الروح والسدد من الفضول، ومنها شدة شد الأعضاء وإدامتها فإنها تبرد أيضاً بسد طريق الحرارة، وكذلك الهم المفرط والفزع المفرط والفرح المفرط واللذة المفرطة والصناعة المبردة والهوة والفجاجة المقابلة للعفونة. ومن عادة الحكيم الفاضل "جالينوس" أن يحصرها في أجناس ستة: الحركة المفرطة، والسكون المفرط، وملاقاة ما يبرد أو ما يسخن جداً حتى يحلل، والمادة المبردة، وقلة الغذاء يالإفراط، وكثرة الغذاء بالإفراط.
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
● [ الفصل الثالث : المرطبات ] ●
أسباب الترطيب كثيرة، منها السكون والنوم واحتباس ما يستفرغ وإستفراغ الخلط المجفف وكثرة الغذاء والغذاء المرطب والدواء المرطب وملاقاة المرطبات، لا سيما الحمام وخصوصاً على الطعام وملاقاة ما يبرد فيحقن الرطوبة وملاقاة ما يسخن تسخيناً لطيفاً فيسيل الرطوبة والفرح المعتدل.
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
● [ الفصل الرابع : المجففات ] ●
أسباب المجففات أيضاً كثيرة مثل الحركة والسهر وكثرة الاستفراغ، ومنها الجماع وقلة الأغذية وكونها يابسة والأدوية المجفّفة، وأنواع الحركات النفسانية المفرطة، وتواتر الحركات النفسانية وملاقاة المجقفات، ومن ذلك الاستحمام بالمياه القابضة، ومن ذلك البرد المجمد بما يحبس العضو من جذب الغذاء إلى نفسه وبما يقبض فيحدث عنه سدد تمنع من نفوذ الغذاء، ومن ذلك ملاقاة ما هو شديد الحرارة فيفرط في التحليل حتى إن من ذلك كثرة الاستحمام.
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
● [ الفصل الخامس : مفسدات الشكل ] ●
من أسباب فساد الشكل أسباب وقعت في الخلقة الأولى فقصرت القوة المصورة، أو المغيرة التي في المني بسببها عن تتميم فعلها، وأسباب تقع عند الانفصال من الرحم، وأسباب تقع عند قمط الطفل وإمساكه، وأسباب بادية تقع من خارج كسقطة أو ضربة، وأسباب تتعلّق بالمبادرة إلى الحركة قبل تصلب الأعضاء واستيكاعها، وأيضاً أسباب مرضية كالجذام والسل والتشنج والإسترخاء والتمدد، وقد يقع بسبب السمن المفرط، وقد يكون بسبب الهزال المفرط، وقد يكون بسبب الأورام، وقد يكون بسبب أمراض الوضع، وقد يكون بسبب سوء اندمال القروح وغير ذلك.
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
● [ الفصل السادس : أسباب السدة وضيق المجاري ] ●
إن السدة تحدث، إما لوقوع شيء غريب في المجرى وذلك، إما غريب في جنسه كالحصاة، أو غريب في مقداره كالثفل الكثير، أو غريب في الكيفية وذلك، إما لغلظه، وإما للزوجته، وإما لجموده كالعلقة الجامدة. فهذه أقسام السادّ لوقوعه في المجرى هذا. ومن جملته ما هو لازم لمكانه في المجرى، ومنه ما هو قلق فيه متردد، وقد تعرض السدة لالتحام المنفذ بسبب اندمال قرحة فيه ولنبات شيء زائد كنبات لحم ثؤلولي ساد، أو لانطباق المجرى لمجاورة ورم ضاغط أو لتقبض برد شديد، أو لشدة يبس حادث من المقبضات، أو لشدة قوة من القوة الماسكة، أو لعصب عصابة شديدة الشد، والشتاء يكثر فيه السدد لكثرة احتقان الفضول ولقبض البرد.
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
● [ الفصل السابع : أسباب اتساع المجاري ] ●
إن المجاري تتسع، إما لضعف الماسكة، أو لحركة قوية من الدافعة. ومن هذا الباب فعل حصر النفس، أو لأدوية مفتحة أو لأدوية مرخيّة حارة رطبة، والمجأري تضيق لأضداد ذلك وللسدّ.
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
● [ الفصل الثامن : أسباب الخشونة ] ●
الخشونة تحدث، إما لسبب شديد الجلاء بتقطيعه كالخلّ والفضول الحامضة، أو تحليله كزبد البحر والفضول الحادةّ، أو لسبب قابض يخشن بيبوسته كالأشياء العفصة ، أو بارد فيخشن بتكثيفه، أو لركود أجزاء أرضية على العضو كالغبار.
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
● [ الفصل التاسع : أسباب الملاسة ] ●
سبب الملاسة إما مغز بلزوجته وإما محلّل لطيف التحليل يرقق المادة فيسيلها أو يزيل التكاثف عن صفحة العضو.
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
● [ الفصل العاشر : أسباب الخلع ومفارقة الوضع ] ●
زوال الوضع إما بسبب تمدّد كمن يجذب عضو منه ويمدد حتى ينخلع، أو حركة عنيفة على اعتماد مزيل للعضو عن موضعه كمن تنقلب رجله، أو سبب مرخ مرطّب كما يعرض في القيلة ، أو سبب مفسد لجوهر الرباط بتأكيله أو تعفينه كما يعرض في الجذام وعرق النسا.
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
● [ الفصل الحادي عشر :سوء المجاورة لمنع المقاربة ] ●
سببه، إما غلظ وإما أثر قرحة، وإما تشنّج، وإما استرخاء، وإما جفاف الخلط في المُفصل وتحجره، وإما ولادي.
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
● [ الفصل الثاني عشر : أسباب سوء المجاورة لمنع المباعدة ] ●
سببه إما غلظ وإما التحام أثر قرحة وإما تشنج وإما ولادي.
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
● [ الفصل الثالث عشر : أسباب الحركات الغير طبيعية ] ●
سببها إما يبس مضعف، كالرعشة اليابسة، أو يبس مشنج كالفواق اليابس، أو التشنج اليابس، أو فضول مشنّجة، أو فضول، وأسباب سادة طريق القوة مانعة عن نفوذها إلى العضو بالسدد أو فضول مؤذية ببردها كما في النافض، أو بلذعها كما في القشعريرة، أو الغور من الحرارة الغريزية وقلتها، فتستظهر الفضل برداً وتحدث ريحاً يطلب التحلل والتخلص كما في الاختلاج. ونقول: إن هذه المادة المؤذية، إما بخارية يسيرة، فتحدث التمطيّ ، أو أقوى منها فتحدث الاعياء المعيي إن كان ساكناً، وتحدث أنواعاً من الإعياء الآخر التي سنذكرها إن كان متحرّكاً، وإن كان أقوى، أحدث القشعريرة، وإن كان أقوى أحدث النافض. والمادة الريحية إذا احتسبت في العضلة أحدثت الاختلاج فاعلم ذلك.
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
● [ الفصل الرابع عشر : أسباب زيادة العظم والغدد ] ●
هي كثرة المادة وشدّة القوى الجاذبة في نفسها، وشدة القوى الجاذبة لمعونة الدلك والتسخين بالأضمدة مثل ضماد الزفت، وما يشبه ذلك وهذا يخصّ العظم دون الغدد.
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
● [ الفصل الخامس عشر : أسباب النقصان ] ●
هذه إمّا واقعة في أصل الخلقة لنقصان المادة، أو خطأ القوة الحائلة وضعفها، وإما آفات واقعة تارة من خارج، كالقطع والضرب وإفساد البرد، وتارة من داخل كالتآكل والعفونة.
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
● [ الفصل السادس عشر : أسباب تفرق الاتصال ] ●
هذه، إما من داخل، وإما من خارج. والتي من داخل فمثل خلط آكال أو محرق أو مرطب مرخ وميبس صادع أو مثل امتلاء ريحي ممدد أو ريحي غارز، أو خلطي ممدد بحركة الخلط أو منتقص أو نافذ في البدن لتميزه حركة قوية أو خلطي غارز، وجميع ذلك إما لشدّة الحركة، أو لكثرة المادة مثل شدة حركة من الدافعة، لا على المجرى الطبيعي، ومثل حركة على الامتلاء. ومما يشبهها الصياح الشديد والوثبة، ومثل انفجار الأورام. وأما الأسباب التي من خارج فمثل جسم يمدد كالحبل وكالأثقال، أو يقطع كالسيف، أو يحرق كالنار، أو يرض كالحجر. فإن مثل هذا إن وجد خلاء شَدَخ أو امتلاء صدَعَ الأوعية، ومثل جسم يثقب كالسهم أو ينهش ويعض كالكلب الكَلِبِ والأفعى والإنسان.
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
● [ الفصل السابع عشر : أسباب القرحة ] ●
هي، إما ورم ينفجر وإما جراحة تنفتح، وإما بثور تتأكل.
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
● [ الفصل الثامن عشر : أسباب الورم ] ●
هذه الأسباب بعضها من المادة وبعضها من هيئة العضو، أما الكائنة من جهة المادة فالامتلاء من الأشياء الست المذكورة، وأما الكائنة من جهة هيئات الأعضاء فقوة العضو الدافع وضعف العضو القابل وتهيؤه لقبول الفضل، إما لطبع جوهره وإنه خلق لذلك كالجلد، أو لسخافته مثل اللحم الرخو في المعاطف الثلاثة خلف الأذن من العنق والإبط والأرنبة، أو لاتساع الطرف إليه وضيق الطرف عنه، أو لوضعه من تحت أو لصغره فيضيق عما يأتيه من مادة الغذاء، وإما لضعفه عن هضم غذائه لآفة فيه، وإما لضربة تحقن فيه المادة وإما لفقدانه تحلل ما يتحلّل عنه بالرياضة، وإما لحرارة مفرطة فيه فيجذب. وتلك الحرارة، إما طبيعية كما للحم، أو مستفادة أحدثها وجع، أو حركة عنيفة أو شيء من المسخنات. والكسر يحدث الورم لشيء من هذه الأسباب المذكورة مثل الرضّ وضغط العضو والتمديد الذي به يجبر والعظم نفسه، بل السن قد يرم لأنه يقبل النمو من الغذاء ويقبل الابتلال والعفونة فيقبل الورم.
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
● [ الفصل التاسع عشر : أسباب الوجع على الإطلاق ] ●
ولأن الوجع هو أحد الأحوال الغير الطبيعية العارضة لبدن الحيوان فلنتكلم في أسبابه كلاماً كلياً ونقول: إن الوجه هو الإحساس بالمنافي. وجملة أسباب الوجع منحصرة في جنسين: جنس يغير المزاج دفعة، وهو سوء المزاج المختلف، وجنس يفرّق الاتصال وأعني بسوء المزاج المختلف أن يكون للاعضاء في جواهرها مزاج متمكّن، ثم يعرض عليها مزاج غريب مضاد لذلك حتى تكون أسخن من ذلك أو أبرد، فتحس القوة الحاسة بورود المنافي فيتألم. فإن الألم أن يحس المؤثر المنافي منافياً. وأما سوء المزاج المتفق فهو لا يؤلم البتة، ولا يحسّ به مثل أن يكون المزاج الرديء قد تمكن من جوهرالأعضاء وأبطل المزاج الأصلي وصار كأنه المزاج الأصلي، وهذا لا يوجع لأنه لايحس، لأن الحاس يجب أن ينفعل من المحسوس، والشيء لا ينفعل عن الحالة المتمكنة التي لا تغيره في حالة فيه، بل إنما ينفعل عن الضد الوارد المغير إياه إلى غير ما هو عليه. ولهذا ما يحسّ صاحب حمّى الدق من الالتهاب ما يحس به صاحب حمّى اليوم، أو صاحب حمى الغب، مع أن حرارة الدق أشد كثيراً من حرارة صاحب الغب، لأن حرارة الدق مستحكمة مستقرة في جوهر الأعضاء الأصلية، وحرارة الغب ورادة من مجاورة خلط على أعضاء محفوظ فيها مزاجها الطبيعي بعد بحيث إذا تنحى عنها الخلط، بقي العضو منها على مزاجه، ولم يثبت فيه الحرارة، إلا أن تكون قد تشبثت وانتقلت العلة إلى الدق.
وسوء المزاج المتفق إنما يتمكّن من العضو بتدريج وقد يوجد في حال الصحة منال يقرب هذا إلى الفهم، وهو أن المعافص بالاستحمام شتاء إذا استحم بالماء الحار، بل بالفاتر، عرض له منه اشمئزاز وتأذ، لأن كيفية بدنه بعيدة عنه مضادة إياه، ثم يألفه فيستلذه كما يتدرج إلى الاستحالة عن حالة البرد العامل فيه، ثم إذا قعد ساعة في الحمام الداخل فربما يتفق أن يصير بدنه أسخن من ذلك الماء، فإذا عوفص بصب الماء الأول بعينه عليه اقشعر منه على أنه يستبرده، فإذا علمت هذا فنقول: إنه وإن كان أحد جنسي أسباب الألم هو سوء المزاج المختلف، فليس كل سوء مزاج مختلفاً، بل الحار بالذات والبارد بالذات واليابس بالعرض والرطب لا يؤلم البتة، لأن الحار والبارد كيفيتان فاعلتان واليابس والرطب كيفيتان إنفعاليتان قوامهما ليس بأن يؤثر بهما جسم في جسم، بل بأن يتأثر جسم من جسم.
وأما اليابس فإنما يؤلم بالعرض لأنه قد يتبعه سبب من الجنس الآخر وهو تفرّق الإتصال، لأن اليابس لشدّة التقبيض ربما كان سبباً لتفرق الإتصال لا غير.
أما "جالينوس"، فإنه إذا حقق مذهبه رجع إلى أن السبب الذاتي للوجع هو تفرق الإتصال لا غير، وإن الحار إنما يوجع لأنه يفرّق الاتصال، وأن البارد إنما يوجع أيضاً لأنه يلزمه تفرق الإتصال، وذلك لأنه لشدة تكثيفه وجمعه يلزمه لا محالة أن تنجذب الأجزاء إلى حيث يتكاثف عنده فيتفرق من جانب ما ينجذب عنه. وقد تمادى هو في هذا الباب حتى أوهم في بعض كتبه أن جميع المحسوسات تؤذي مثل ذلك، أعني تؤذي بتفريق أو جمع يلزمه تفريق. فالأسود في المبصرات يؤلم لشدّة جمعه، والأبيض لشدّة تفريقه، والمر والمالح والحامض يؤلم في المذوقات بفرط تفريقه، والعفص بفرط تقبيضه، فيتبعه التفريق لا محالة، وكذلك في الشم، وكذلك الأصوات القوية تؤلم بالتفريق لعنف من الحركة الهوائية عند ملاقاة الصماخ. وأما القول الحقّ في هذا الباب فهو أن يجعل تغيّر المزاج جنساً موجباً بذاته الوجع، وإن كان قد يعرض معه تفريق اتصال. والبيان المحقق في هذا ليس في الطب، بل في الجزء الطبيعي من الحكمة إلا أنا قد نشير إلى طرف يسير منه فنقول: إن الوجه قد يكون متشابه الأجزاء في العضو الوجع، وتفرق الاتصال لا يكون متشابه الأجزاء البتة، فإذن وجود الوجع في الأجزاء الخالية عن تفرق الاتصال لايكون عن تفرق الاتصال، بل يكون سوء المزاج وأيضاً، فإن البرد يوجع حيث يقبض ويجمع وحيث يبرد بالجملة، وتفرق الاتصال عن البرد لا يكون حيث يبرد بل في أطراف الموضع المتبرد ، وأيضاَ فإن الوجع لا محال هو إحساس بمؤثر مناف بغتة من حيث هو مناف فالوجع هو المحسوس المنافي بغتة والحد ينعكس وكل محسوس مناف من حيث هو مناف موجع. أرأيت إذا أحس بالبردالمفسد للمزاج من حيث يفسد المزاج وكان مثلاً لا يحدث عنه تفريق الاتصال هل كان يكون ذلك إحساساً بمناف فهل كان يكون وجعاً. فمن هذا يعرف أن تغير المزاج دفعة سبب الوجع كتفرق الاتصال. والوجع يثير الحرارة فيثير الوجع بعد الوجع، وقد يبقى بعد الوجع شيء له حس الوجع وليس بوجع حقيقي، بل هو من جملة ما يتحلل بذاته الجاهل يشتغل بعلاجه فيضر به.
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
● [ الفصل العشرون : أسباب وجع وجع ] ●
أصناف الوجع التي لها أسماء، هي هذه الجملة الحكّاك، الخشن، الناخس، الضاغط، الممدد، المفسخ، المكسر، الرخو، الثاقب، المسقي، الخدر، الضرباني، الثقيل، الإعيائي، اللاذع، فهذه هي خمسة عشرجنساً.
سبب الوجع الحكاك: خلط حريف أو مالح.
وسبب الوجع الخشن خلط خشن.
وسبب الوجع الناخس: سبب ممدد للغشاء عرضاً كالمفرق لاتصاله، وقد يكون متساوياً في الحس، وقد لا يكون متساوياً. والغير المتساوي في الحس، إما لأن ما يتمدد عليه الغشاء ويلامسه غير متشابه الأجزاء في الصلابة واللين كالترقوة للغشاء المستبطن للأضلاع إذا كان الورم في ذات الجنب جاذباَ إلى أعلاه، أو يكون غير متشابه الأجزاء في حركته كالحجاب لذلك الغشاء، ولأن حس العضو غيره متشابه، إما بالطبع، وإما لأن آفة عرضت لبعض أجزائه دون بعض.
وسبب الوجع الممدّد: ريح، أو خلط يمدد العصب والعضل كأنه يجذبه إلى طرفيه.
والوجع الضاغط سببه مادة تضيق على العضو المكان أو ريح تكتنفه فيكون كأنه مقبوض عليه فيضغط.
وسبب الوجع المفسّخ: هو مادة ما يتحلل من العضلة وغشائها فيمدد الغشاء ويفرق اتصال الغشاء، بل العضلة.
وسبب الوجع المكسّر مادة أو ريح يتوسّط ما بين العظم والغشاء المجلّل له أو برد فيقبض ذلك الغشاء بقوّة.
وسبب الوجع الرخو: مادة تمدد لحم العضلة دون وترها، وإنما سمي رخواً لأن اللحم أرخى من العصب والوتر والغشاء.
وسبب الوجع الثاقب: هو مادة غليظة أو ريح تحتبس فيما بين طبقات عضو صلب غليظ كجرم معي قولون ولا يزال يمزّقه وينفذ فيه فيحسّ كأنه يثقب بمثقب.
وسبب الوجع المسلّي: تلك المادة بعينها في مثل ذلك العضو، إلا أنها محتبسة وقت تمزيقها.
وسبب الوجع الخدر: إما مزاج شديد البرد، وإما انسداد مسام منافذ الروح الحساس الجاري إلى العضو بعصب، أو امتلاء أوعية.
وسبب الوجع الضرباني : ورم حار غير بارد، إذ البارد كيف كان صلباً أو ليناً فإنه لا يوجع إلا أن يستحيل إلى الحار وإنما يحدث الوجع الضرباني من الورم الحار على هذه الصفة إذا حدث ورم حار وكان العضو المجاور له حسّاساً وكان بقربه شريانات تضرب دائماً، لكنه لما كان ذلك العضو سليماً يحس بحركة الشريان في غور، فإذا ألم وورم صار ضربانه موجعاً.
وسبب الوجع الثقيل: ورم في عضو غير حساس كالرئة والكلية والطحال، فإن ذلك الورم لثقله ينجذب إلى أسفل فيجذب العضو باللفافة والغلافة بانجذابه إلى أسفل أو ورم في عضو حساس إلا أن نفس الألم قد أبطل حس العضو مثل السرطان في فم المعدة فإنه يحس بثقله ولا يوجع لإبطاله الحسّ.
وسبب الوجع الاعيائي، إما تعب فيسمى ذلك الوجع إعياء تعبيا"، وإما خلط ممدد ويسمى ما يحدث عنه الإعياء التمددي، وإما ريح ويسمى ما يحدث عنه الإعياء النافخ، وإما خلط لاذع ويسمى ما يحدث عنه الاعياء القروحي ويتركب منها تراكيب كما نبينها في الموضع الأخص بها. ومن جملة المركب الإعياء المعروف بالبورقي وهو مركب من تمددي ومن قروحي.
والوجع اللاذع: هو من خلط له كيفية حادة.
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
● [ الفصل الحادي والعشرون : أسباب سكون الوجع ] ●
سبب سكون الوجع: إما ما يقطع السبب الموجب إياه ويستفرغه كالشبت وبزر الكتان إذا ضمد به الموضع الألِمُ، وإما ما يرطب وينوم فتغور القوة الحسية ويترك فعلها كالمسكرات، وإما مايبرد فيخدر مثل جميع المخدرات والمسكن الحقيقي هو الأول.
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
● [ الفصل الثاني والعشرون : فيما يوجبه الوجع ] ●
الوجع يحل القوة ويمنع الأعضاء عن خواص أفعالها حتى يمنع المتنفس عن التنفس، أو يشوش عليه فعله، أو يجعله متقطعاً أو متواتراً وبالجملة على مجرى غير الطبيعي، وقد يسخن العضو أولاً ثم يبرده أخيراً بما يحلل وبما يهزم من الروح والحياة.
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
● [ الفصل الثالث والعشرون : أسباب اللذة ] ●
هذه أيضاً محصورة في جنسين: أحدهما: جنس ما يغير المزاج الطبيعي دفعة ليقع به الإحساس.
والثاني: جنس ما يرد الاتصال الطبيعي دفعة، وكل ما يقع لا لدفعه فإنه لا يحس فلا يلذ. واللذة حس بالملائم، وكل حسّ فهو بالقوة الحساسة ويكون الإحساس بانفعالها، فإذا كان بملائم أو بمناف كان لذة أو ألماً بحسب ما يتأثر. ولما كان اللمس أكثف الحواس وأشدها استحفاظ لما قبله من تأثير مناف أو ملائم كان إحساسه الملائم عند ذوي الطبيعة الكثيفة أشد إلذاذاً، وإحساسه المنافي أشد إيلاماً من الذي يخص قوي آخر.
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
● [ الفصل الرابع والعشرون : كيفية إيلام الحركة ] ●
الحركة توجع لما يحدث معها من تمديد أو رض أو فسخ.
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
● [ الفصل الخامس والعشرون : كيفية إيلام الاخلاط الرديئة ] ●
الأخلاط الرديئة توجع إما بكيفيتها كما تلذع أو بكثرتها كما تمدد أو باجتماع الأمرين جميعاً.
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
● [ الفصل السادس والعشرون : كيفية إيلام الرياح ] ●
الريح تؤلم بالتمديد. والريح الممددة، إما أن تكون في تجاويف الأعضاء وبطونها كالنفخة في المعدة، أو في طبقات الأعضاء. وليفها كما في القولنج الريحي أو في طبقات العضل، أو تحت الأغشية وفوق العظام أو حول العضل بينها وبين اللحم والجلد، أو مستبطناً العضو كما يستبطن عضل الصدر وسرعة انفشاشه أو طول لبثه، وهو بحسب كثرة مادته وقلتها وغلظ مادته ورقتها واستحصاف للعضو تخلخله فحسب.
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
● [ الفصل السابع والعشرون : أسباب ما يحبس ويستفرغ ] ●
الاحتباس والاستفراغ يسهل الوقوف عليهما من تأمل ما قلناه في الاحتباس والاستفراغ فليطلب من هناك.
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
● [ الفصل الثامن والعشرون : أسباب التخمة والامتلاء ] ●
هذه، إما من خارج ومن البادية، فمثل استعمال ما يشتد ترطيبه فلا يفتقر البدن إلى ترطيب المأكول والمشروب، فإذا اجتمعا معاً كثرت المادة في البدن وفسد بصرف الطبع فيها، مثل الاستكثار من الحمام وخصوصاً بعد الطعام وموانع التحليل، مثل الدعة وترك الرياضة والاستفراغ والترفه في المأكول والمشروب وسوء التدبير، وإما من داخل فهو مثل ضعف القرة الهائمة فلا يهضم أو ضعف الدافعة أو قوة الماسكة فتنحصر الأخلاط ولا تندفع، أو ضيق المجاري.
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
● [ الفصل التاسع والعشرون : أسباب ضعف الأعضاء ] ●
إما أن يكون سبب الضعف وارداً على جرم العضو، أو على الروح الحامل للقوة المتصرفة في العضو، أو على نفس القوة. والذي يكون السبب فيه خاصاً بالعضو، فإما سوء مزاج مستحكم وخصوصاً البارد على أن الحار قد يفعل بما يضعف فعل البارد في الإخدار لإفساده مزاج الروح كما يعرض لمن أطال المقام في الحمام، بل لمن غشي عليه. واليابس يمنع القوى عن النفوذ بتكثيفه، والرطب بإرخائه وسدّه.
وأما مرض من أمراض التركيب والأخص منه بما يكون الإنسان معه غير ظاهر الأذى والمرض. والألم هو تهلهل تشنج ذلك العضو في عصبه إذا كانت الأفعال الطبيعية كلها والإرادية تتم بالليف وتأليفه. والهضم أيضاً مفتقر إلى الإمساك الجيد على هيئة جيّدة وذلك بالليف. والذي يكون السبب فيه خاصاً بالروح فهو، إما سوء مزاج، وإما تحلّل باستفراغ يخصه أو يكون على سبيل اتباع لاستفراغ غيره. والذي يختص بالقوة فكثرة الأفعال وتكرّرها فإنها توهن القوة وان كان قد يصحب ذلك تحلّل الروح على سبيل صحبة سبب لسبب فإذا أعددنا الأسباب على جهة أخرى وأوردنا فيها الأسباب البعيدة التي هي أسباب للأسباب الملاصقة فيحدث منها أسباب سوء المزاج، ومنها فساد الهواء والماء والمأكل، ومنها ما يفزع الروح أولاً مثل النتن وأسن الماء وانتشار القوى السمية في الهواء أو في البدن.
ومن جملة أسباب الضعف ما يتعلق بالإستفراغ، مثل نزف الدم والإسهال خصوصا"في رقيق الأخلاط، وبزل مائية الاستسقاء إذا أرسل منها شيء كثير دفعه، وربط الدبيلة الكثيرة إذا سال منها مدَة كثيرة دفعة، وكذلك إذا انفجرت بنفسها والعرق الكثير، والرياضة المفرطة والأوجاع أيضاً فإنها تحلّل الروح وإن كان قد تغير المزاج، ومن جملة هذه الأوجاع ما هو أكثر تأثيراً مثل وجع فم المعدة كان ممدداً أو لاذعاً، أو جزء عضو وكل وجع يقرب من نواحي القلب والحميات مما يضعف بالتحليل والاستفراغ من البدن والروح، وتبديل المزاج وسعة المسام من المعاون على حدوث الضعف التحللي. والجوع الكثير من هذا القبيل.
وربما كان ضعف البدن كله تابعاً لضعف عضو آخر، مثل ضعف البدن بأذى يصيب فم المعدة حتى تنحل قوته، وحين يكون قلبه ودماغه شديد الإنفعال من المؤذيات اليسيرة فيكون هذا الإنسان سريع الانحلال والضجر من أدنى شيء. وربما كان سبب الضعف كثرة مقاساة الأمراض وقد يكون بعض الأعضاء في الخلقة أضعف من بعض أو أضعف من غيره كالرئة والدماغ فيكون قبولاً لما يدفعه القويّ في الخلقة عن نفسه ولو لم يخص الدماغ بارتفاع موضعه، لكان يمنى من هذه الأسباب بما لا يطيق ولا يبقى معه قوة فاعلم جميع ذلك.
[تمت الجملة الثانية وهى تسعة وعشرون فصلآ وتم التعليم الثانى]
القانون فى الطب لإبن سينا
الكتاب الأول: الأمور الكلية فى علم الطب
منتدى حُكماء رُحماء الطبى . البوابة