من طرف غذاؤك السبت 31 مارس 2018 - 14:46
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
مكتبة التاريخ
عجائب الآثار
الجزء الأول
{ الفصل الثاني }
في ذكر حوادث مصر وولاتها واعيانها ووفيات
فى سني الملاحم العظيمة والحوادث الجسيمة
{ احداث شهر رجب سنة 1213 }
شهر رجب
استهل بيوم الاحد في ثالثه قتلوا شخص من الاجناد يقال له مصطفى كاشف من جماعة حسين بك المعروف بشفت وكان قد فر مع الفارين ثم رجع من غير استئذان وأقام أياما مستترا ببيت الشيخ سليمان الفيومي فسلمه لمصطفى أغا مستحفظان ليأخذ له أمانا فأخبر الفرنسيس بشأنه وأغراهم عليه فأمروه بقتله فقطع رأسه وطافوا بها ينادون عليها بقولهم هذا جزاء من يدخل الى مصر بغير أذن الفرنسيس
وفي يوم الخميس حضر كبير الفرنسيس الذي بناحية قليوب وصحبته سليمان الشواربي شيخ الناحية وكبيرها فلما حضر حبسوه بالقلعة قبل انهم عثروا له على مكتوب ارسله وقت الفتنة السابقة الى سر ياقوس لينهض أهل تلك النواحي في القيام ويأمرهم بالحضور وقت ان يرى الغلبة على الفرنسيس ولما حبسوه وحبسوا معه اربعة من الاجناد ايضا
وفيه احدثوا مرمارا يضربونه في كل يوم وقت الزوال لان ذلك الوقت عندهم ابتداء اليوم
وفي يوم الاربعاء عاشره نادوا في الاسواق بان من أراد أن يشتري فرسا أو حمارا فليحضر يوم الجمعة ثالث عشره ببولاق ويشتري من الفرنساويه ما أحب من ذلك وكتبوا بذلك اوراقا وألصقوها بالاسواق والازقة وهي مطوعة وعليها الصورة ونصها فليكن معلوما عند كافة الرعايا المصرية ان في يوم الجمعة ثلاثة عشر من شهر رجب الساعة اثنين يباع في بولاق جملة خيل من المشيخة الفرنساوية فلاجل هذا المشتري كل من اراد ان يقتنى خيلا فمنحنا له الاجازة انه يقتنى كما يريد ويشاء
وفي يوم الاثنين سادس عشره سافر صارى عسكر بونابارته الى السويس وأخذ صحبته السيد احمد المحروقي وابراهيم افندي كاتب البهار وأخذ معه ايضا بعض المدبرين والمهندسين والمصورين وجرجس الجوهري والطون أبو طاقية وغيرهم وعدة كثيرة من عساكر الخيالة والمشاة وبعض مدافع وعربات وتختروان وعدة جمال لحمل الذخيرة والماء والقومانية
وفيه شرعوا في ترتيب الديوان على تنظيم اخر وعينوا له ستين نفرا منهم اربعة عشر يقال لهم خصوص وهم الذين يحضرون دائما ويقال لهم الديوان الخصوصي والديوان الديمومي والباقي بحسب الاقتضاء والاربعة عشر هم من المشايخ الشرقاوي والمهدي والصاوي والبكري والفيومي ومن التجار المحروقي واحمد محرم ومن النصارى القبطة لطف الله المصري ومن الشوام يوسف فرحات ومخاييل كحيل ورواحة الانكليزي وبودني وموسى كافر الفرنساوي ومعهم وكلاء ومباشرون من الفرنسيس ومترجمون وأما العمومي فأكثره مشايخ حرف وكتبوا بذلك طومارا كبيرا بصموا منه نسخا كثيرة وأرسلوا منها نسخا كثيرة للاعيان وألصقوا منها بالاسواق على العادة وأرسلوا اللذين عينوا بالديوان أوراقا باسمائهم شبه التقارير وصورة صدر ذلك الطومار المكتتب في شأن ذلك وقد أوردت ذلك وان كان فيه بعض طول للاطلاع على ما فيه من التمويهات على العقول والتسلق على دعوى الخواص من البشر بفاسد التخيلات التي تنادى على بطلانها بديهة العقل فضلا عن النظر وهي مقولة على لسان بونابارته كبير الفرنسيس ونصه
بسم الله الرحمن الرحيم من امير الجيوش الفرنساويه خطابا الى كافة أهالي مصر الخاص والعام نعلمكم ان بعض الناس الضالين العقول الخليين من المعرفة وادراك العواقب سابقا اوقعوا الفتنة والشرور بين القاطنين بمصر فأهلكهم لله بسبب فعلهم ونيتهم القبيحة والباري سبحانه وتعالى أمرني بالشفقة والرحمة على العباد فامتثلث أمره وصرت رحيما بكم شفوقا عليكم ولكن كان حصل عندي غيظ وغم شديد بحسب تحريك هذه الفتنة بينكم ولاجل ذلك أبطلت الديوان الذي كنت رتبته لنظام البلد وصلاح اموالكم من مدة شهرين والان توجه خاطرنا الى ترتيب الديوان كما كان لان حسن احوالكم ومعاملتكم في المدة المذكورة انسانا ذنوب الاشرار وأهل الفتنة التي وقعت سابقا أيها العلماء والاشراف أعلم وأمتكم ومعاشر رعيتكم بان الذي يعاديني ويخاصمني انما خصامه من ضلال عقله وفساد فكرة فلا يجد ملجأ ولا مخلصا ينجيه مني في هذا العالم ولا ينجو من بين يدي الله لمعارضته لمقادير الله سبحانه وتعالى والعاقل يعرف ان ما فعلناه بتقدير الله تعالى وارادته وقضائه ومن يشك في ذلك فهو احمق واعمى البصيرة واعلموا ايضا امتكم ان الله قدر في الازل هلاك اعداء الاسلام وتكسير الصلبان على يدي وقدر في الآزل أني اجيء من المغرب الى أرض مصر لهلاك الذين ظلموا فيها واجراء الامر الذي امرت به ولا يشك العاقل ان هذا كله بتقدير الله وارادته وقضائه واعلموا ايضا أمتكم ان القرآن لعظيم صرح في ايات كثيرة بوقوع الذي حصل واشار في ايات اخرى الى امور تقع في المستقبل وكلام الله في كتابه صدق وحق لا يتخلف اذا تقرر هذا وثبتت هذه المقالات في آذانكم فلترجع أمتكم جميعا الى صفاء النية واخلاص الطوية فان منهم من يمتنع عن الغي واظهار عداوتي خوفا من سلاحي وشدة سطوتي ولم يعلموا ان الله مطلع على السرائر يعلم خائنه الاعين وما تخفي الصدور والذي يفعل ذلك يكون معارضا لاحكام الله ومنافقا وعليه اللعنة والنقمة من الله غلام الغيوب واعلموا ايضا اني أقدر على اظهار ما في نفس كل أحد منكم لانني أعرف احوال الشخص وما انطوى عليه بمجرد ما اراه وان كنت لا اتكلم ولا انطق بالذي عنده ولكن يأتي وقت ويوم يظهر لكم بالمعاينة ان كل ما فعلته وحكمت به فهو حكم الهي لا يرد وان اجتهاد الانسان غاية جهده ما يمنعه عن قضاء الله الذي قدره وأجراه على يدي فطوبى للذين يسارعون في اتحادهم وهمتهم مع صفاء النية واخلاص السريرة والسلام
ورتبوا لارباب الديوان الديمومي شهرته تدفع اليهم نظير تقيدهم بمصالح العامة والدعاوى وما يترتب عليه النظام بينهم وبين المسلمين
وفي ثامن عشرة طافوا على الطواحين واختاروا من كل طاحون فرسا اخذوها
وفي رابع عشرينه حضر السيد المحروقي وكاتب البهار من السويس وكان سارى عسكر ذهب الى ناحية بلبيس فأستأذونه في ذهابهم الى مصر فأذن لهم وأرسل معهم خمسين عسكريا ليوصلوهم الى مصر فلما حضروا حكوا أن أهل السويس لما بلغهم مجيء الفرنساوية هربوا وأخلوا البلدة فذهبوا الى الطور وذهب البعض الى العرب بالبادية فنهب الفرنسيس ما وجدوه بالبندر من البن والمتاجر والامتعة وغير ذلك وهدموا الدور وكسروا الاخشاب وخوابي الماء فلما حضر كبيرهم وكان متأخرا عنهم كلمه التجار الذاهبون معه وأعلموه أن هذا الفعل غير صالح فاسترد من العسكر بعض الذي أخذوه ووعدهم باسترجاع الباق أو دفع ثمنه بمصر وأن يكتبوا قائمة بالمنهوبات ثم انه وجد مركبان حضرا الى قريب من السويس بهما بن ومتاجر فغرقت احداهما فنزلت طائفة من الفرنسيس في مراكب صغار وذهبوا اليها في الغاطس وأخرجوها بآلات ركبوها واصطنعوها من علم جر الاثقال وفي مدة اقامته بالسويس صار يركب ويتأمل في النواحي وجهات ساحل البحر والبر ليلا ونهارا وكان معه من الادم في هذه السفرة ثلاثة طيور دجاج محمرة ملفوفة في ورق وليس معه طباخ ولا فراش ولا فرش ولا خيمة وكل شخص من عسكره معه رغيف كبير مرشوق في طرف خربته يتزود منه ويشرب من سقاء لطيف من صفيح معلق في عنقه
وفي يوم السبت حضر عدة من العسكر الفرنساوية من ناحية بلبيس ومعهم عدة من العربان نحو الثلاثين نفرا موثقون بالحبال وأسروا ايضا عدة من اولادهم ذكورا واناثا ودخلوا بهم الى مصر يزفونهم بالطبول أمامهم ومعهم ايضا ثلاثة حمول من حمول التجار وبعض جمال مما كان نهب منهم عند رجوعهم من الحج
وفي ليلة الاثنين غايته حضر سارى عسكر من ناحية بلبيس الى مصر ليلا وأحضر معه عدة عربان وعبد الرحمن أباظة أخو سليمان أباظة شيخ العيايدة وخلافه رهائن وضربوا أبو زعبل والمنير وأخذوا مواشيهم وحضروا بهم الى القاهرة وخلفهم اصحابهم رجالا ونساء وصغارا وفي ذلك اليوم قتلوا شيخ العرب سليمان الشواربي شيخ قليوب ومعه ايضا ثلاثة رجال يقال لهم عرب الشرقية فأنزلوهم من القلعة الى الرميلة على يد الاغا وقطعوا رؤوسهم وحملوا جثة الشواربي مع رأسه في تابوت وأخذه اتباعه في بلده قليوب ليدفن هناك عند اسلافه وانقضى هذا الشهر وحوادثه الجزئية والكلية
منها ان في ليلة السابع والعشرين منه أتت جماعة الى دار الشيخ محمد ابن الجوهري الكائن بالازبكية بالقرب من باب الهواء فخلعوا الشباك المطل على البركة ودخلوا منه وصعدوا الى أعلى الدار وكان بها ثلاثة من النساء الخدامات وابنة خدامة ايضا وبواب الدار ولم يكن رب الدار بها ولا الحريم بل كانوا قد انتقلوا الى دار أخرى لما سكن معظم العسكر بالازبكية فاستيقظ النساء وصرخن فضربوهن وقتلوا منهن امرأة واختفت البنت في جهة وعاثوا في الدار وأخذوا متاعا ومصاغا ونزلوا واستيقظ البواب فأختفى خوفا منهم فلما طلع النهار وشاع الخبر وكان سارى عسكر غائبا فلم يقع كلام في شأن ذلك فلما قدم من سفره ركب مشايخ الديوان وأخبروه فاغتم لذلك وأظهر الغيظ وذم فاعل ذلك لما فيه من العار الذي يلحقه واهتم في الفحص عمن فعل ذلك وقتله
ومنها كثرة تعدي القلقات وتشديدهم على وقود القناديل بالازقة هم من أهل البلد واذا مروا بالليل ووجدوا قنديلا اطفاه الهواء وفرغ زيته سمروا الحانوت او الدار التي هو عليها ولا يقلعون المسمار حتى يصالحهم صاحبها على ما احبوه من الدراهم وربما تعمدوا كسر القناديل لاجل ذلك واتفق ان المطراطفا عدة قناديل بسوق أمير الجيوش بسبب كونها في ظروف من الورق والجرير فابتل الورق وسال الماء فأطفأ القنديل فسمروا حوانيت السوق واصبح اهلها صالحوا عليها ووقع مثل ذلك في طرق عديدة فجمعوا في ذلك اليوم جملة من الدراهم وامثال ذلك حتى في الازقة والعطف الغير النافذة حتى كان الناس ليس لهم شغل الا القناديل وتفقد حالها وخصوصا في ليل الشتاء الطويل
احداث شهر شعبان سنة 1213
شهر شعبان المعظم
استهل بيوم الثلاثاء فيه قتلوا ثلاثة انفار من الفرنسيس وبندقوا عليهم بالرصاص بالميدان تحت القلعة قيل انهم من المتسلقين على الدور
وفيه اخبر السفار بان مراد بك ومن معه ترفعوا الى قبلي ووصلوا الى عقبة الهواء وكلما قرب منهم عسكر الفرنساوية انتقلوا وقبلوا ولقد داخلهم من الفرنساوية خوف شديد ولم يقع بينهم ملاقاة ولا قتال
وفيه قدمت رباعة تحمل البن الذي حضر من السويس بالمركب الداو يصحبه جماعة من الفرنساوية لخفارتها من قطاع الطريق
وفي يوم الاحد سادسه نادى القبطان الفرنساوي الساكن بالمشهد الحسيني على أهل تلك الخطة وما جاورها بفتح الحوانيت والاسواق لاجل مولد الحسين وشد في ذلك ووعد من اغلق حانوته بتسميره وتغريمه عشرة ريال فراسنة مكافأة له على ذلك وكان السبب في ذلك والاصل فيه ان هذا المولد ابتدعه السيد بدوي بن فتيح مباشر وقف المشهد فكان قد اعتراه مرض الحب الافرنجي فنذر على نفسه هذا المولد أن شفاه الله تعالى فحصلت له بعض افاقة فابتدأ به وأوقد في المسجد والقبة قناديل وبعض شموع ورتب فقهاء يقرأون القرآن بالنهار مدارسة واخرين بالمسجد يقرأون بالليل دلائل الخيرات للجذولي ثم زاد الحال وانضم اليهم كثير من اهل البدع كجماعة العفيفي والسمان والعربي والعيسوية فمنهم من يتحلق ويذكر الجلالة ويحرفها وينشد له المنشدون القصائد والموالات ومنهم من يقول أبياتا من بردة المديح للبوصيري ويجاوبهم آخرون مقابلون لهم بصيغة صلاة على النبي صلى الله عليه و سلم وأما العيسوية فهم جماعة من المغاربة وما دخل فيهم من أهل الاهواء ينسبون الى شيخ من اهل المغرب يقال له سيدي محمد بن عيسى وطريقتهم انهم يجلسون قبالة بعضهم صفين ويقولون كلاما معوجا بلغتهم بنغم وطريقة مشوا عليها وبين أيديهم طبول ودفوف يضربون عليها على قدر النغم ضربا شديدا مع ارتفاع اصواتهم وتقف جماعة اخرى قبالة الذين يضربون بالدفوف فيضعون اكتافهم في اكتاف بعض لا يخرج واحد عن الآخر ويلتوون وينتصبون ويرتفعون وينخفضون ويضربون الارض بأرجلهم كل ذلك مع الحركة العنيفة والقوة الزائدة بحيث لا يقوم هذا المقام الا كل من عرف بالقوة وهذه الحركات والايقاعات على نمط الضرب بالدفوف فيقع بالمسجد دوى عظيم وضجات من هؤلاء ومن غيرهم من جماعة الفقراء كل احد له طريقة وكيفية تباين الاخرى هذا مع ما ينضم الى ذلك من جمع العوام وتحلقهم بالمسجد للحديث والهذيان وكثرة اللغط والحكايات والاضاحيك والتلفت الى حسبان الغلمان الذين يحضرون للتفرج والسعي خلفهم والافتتان بهم ورمى قشور اللب والمكسرات والمأكولات في المسجد وطواف الباعة بالمأكولات علىالناس فيه وسقاة الماء فيصير المسجد بما اجتمع فيه من هذه القاذورات والعفوش ملتحقا بالاسواق الممتهنة ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم ثم زاد الحال على ذلك بقدوم جماعة الاشاير من الحارات البعيدة والقريبة وبين أيديهم مناور القناديل والجوامع العظيمة التي تحملها الرجال والشموع والطبول والزمور ويتكلمون بكلام محرف يظنون انه ذكر وتوسلات يثابون عليها وينسبون من يلومهم او يعترضهم الى الاعتزال والخروج والزندقة وغالبهم السوقة وأهل الحرف السافلة ومن لا يملك قوت ليلته فتجد أحدهم يجتهد بقوة سعيه ويبيع متاعه او يستدين الجملة من الدراهم ويصرفها في وقود القناديل وأجرة الطبالة والزمارة وكل يجتمع عليه ما هو من أمثاله من الحرافيش ثم يقطع ليلته تلك سهرانا ويصبح دايخا كسلانا ويظن انه بات يتعبد ويذكر ويتهجد واستمر هذا المولد أكثر من عشر سنين ولم يزدد الناذر لذلك الا مرضا ومقتا واستجلب خدمة الضريح مالاح لهم من خساف العقول مثل الشمع والدراهم واتخذوا ذلك حبالة لاكل أموال الناس بالباطل فلما حصلت هذه الحادثة بمصر ترك هذا المولد في جملة المتروكات ثم حصلت الفتنة التي حصلت وسكن هذا الفرنساوي في خط المشهد الحسيني لضبط تلك الجهة وفيه مسايرة ومداهنة فصار يظهر المحبة للمسلمين ويلاطفهم ويدخل بيوت الجيران ويقبل شفاعة المتشفعين ويجل الفقهاء ويعظمهم ويكرمهم وأبطل وقوف عسكره بالسلاح كعادتهم في غير هذه الجهة وكذلك منع ما يفعله القلقات من أنواع التشديد على الناس في مثل القناديل فأطمأن به أهل الخطة وتراجعوا للبكور الى الصلاة في المساجد بعد تخوفهم من العسكر الذي رتب معهم وتركهم التبكير فلما أنسوا به وعرفوا اخلاقه رجعوا لعادتهم ومشوا بالليل ايضا بدون فزع وخوف وترجمانه على مثل طريقته وهو رجل شريف من أهل حلب كان اسيرا بمالطة فاستخلصه الفرنسيس في جملة من استخلصوه من أسرىمالطة وقدم معهم مصر فلما أجلس هذا الضبط الخط كان ترجمانه يهوديا فأحتال بعض أعيان الجهة ورتب هذا الشريف المذكور ليكون فيه راحة للناس ففتح له قهوة بالخط بالقرب من دار مخدومه وجمع الناس للجلوس فيها والسهر حصة من الليل وامرهم بعدم غلق الحوانيت مقدارا من الليل كعادتهم القديمة فأستأنسوا بالاجتماعات والتسلي والخلاعات وعم ذلك جهات تلك الخطة ووافق ذلك هوى العامة لان أكثرهم مطبوع على المجون والخلاعة وتلك هي طبيعة الفرنساوية فصاروا يجتمعون عنده للسمر والحديث واللعب والممازحة ويحضر معهم ذلك الضابط ومعه زوجته وهي من اولاد البلد المخلوعين ايضا فانساق الحديث لذكر هذا المولد الشهري وما يقع في لياليه من الجمعيات والمهرجان وحسنوا له اعادته فوافقهم على ذلك وأمر بالمناداة وفتح الحوانيت ووقود القناديل وشدد في ذلك
وفي يوم الاربعاء كتبوا أوراقا بتطيير طيارة ببركة الازبكية مثل التي سبق ذكرها وفسدت فاجتمعت الناس لذلك وقت الظهر وطيروها وصعدت الى الاعلى ومرت الى أن وصلت تلال البرقية وسقطت ولو ساعدها الريح وغابت عن الاعين لتمت الحيلة وقالوا انها سافرت الى البلاد البعيدة بزعمهم
وفيه سافر الخواجة مجلون الى الصعيد واليا على جرجا لتحرير البلاد وقبض الاموال والغلال المتأخرة بالنواحي للعز
وفيه سافرت قافلة بها احمال كثيرة ومواش ونساء افرنجيات وصناديق قيل انهم ارسلوها الى الطور وصحبتهم عدة من العسكر
وفي يوم الخميس عاشره حضر طائفة من العسكر الفرنساوي الى وكالة ذي الفقار بالجمالية ففتحوا طبقة كانت لكتخدا علي باشا الطرابلسي وأخذوا ما وجدوه بها من الامتعة وختموا عدة حواصل وطباق بذلك الخان وبالوكالة الجديدة وغيرها للمسافرين والهاربين والقليونجية وضبطوا ما بها وقبضوا على جماعة من الاتراك والقليونجية التجار وسجنوهم بالقلعة وصاروا يفتشون على من بقى منهم بالقاهرة وبولاق خصوصا الكرتلية الذين كانوا عسكرا لمراد بك وأخذوا الكثير من نصارى الاروام والقليونجية الذين كانوا مع مراد بك وبعضهم كان بمصر فأدخلوهم في عسكرهم وزيوهم بزيهم وأعطوهم اسلحة وانتظموا في سلكهم
وفيه تواترت الاخبار ان علي باشا ونصوح باشا فارقا مراد بك وذهبا من خلف الجبل على الهجن الى جهة الشام وصحبتهم جماعة ابراهيم بك وكان ذهابهم في اواخر رجب
وفيه نادوا بأبطال القناديل التي توقد في الليل على البيوت والدكاكين وان يوقدوا عوضها في وسط السوق مجامع في كل مجمع اربع قناديل بين كل مجمع ثلاثون ذراعا ويقوم بذلك الاغنياء دون الفقراء ولا علاقة للقلقات في ذلك ففرح بذلك فقراء الناس وانفرجت عنهم هذه الكربة
وفيه نادوا ايضا ان كل من كان له دعوى شرعية او ظلامة فليذهب الى العلماء والقاضي
وفيه ذهب طائفة من العسكر وضربوا عرب الكوامل ورجعوا بمنهوباتهم من الغنم والمعز والدجاج والاوز والحمير وغير ذلك
وفيه حضر رجل من ناحية غزة يطلب امانا للست فاطمة زوجة مراد بك ولابنة المرحوم محمد افندي البكري وزوجها الامير ذي الفقار وخشداشينه والخطاب للشيخ خليل البكري فعرض ذلك على ساري عسكر وترجى عنده فكتب له امان بحضورهم وارسل لهم نفقة وكان ذلك حيلة منهم لتأتيهم النفقة وبعض الاحتياجات واخبر ذلك الرسول ان عبد الله باشا ابن العظم بغزة وابراهيم بك ومن معه خارج البلد وهم في ضيق وحصر وحيز عنهم داخل البلد
وفيه ذهب عدة من العسكر الفرنساوية الى قطبا وشرعوا في بناء ابنية هناك واشيع سفر ساري عسكر الى جهة الشام والاغارة عليها
وفي ليل الاحد ثالث عشرة كان انتقال الشمس لبرج الدلو وهو اول شهر من شهورهم وعملوا تلك الليلة حراقة بارود وسواريخ كما هي عادتهم عند كل انتقال الشمس من برج الى برج
وفي يوم الاثنين رابع عشره نادى المحتسب على اللحم الضاني بسبعة انصاف الرطل وكان بثمانية واللحم الجاموسي بخمسة وكان بستة
وفيه ذهب طائفة من العسكر وضربوا عرب العيايدة نواحي الخانكة وقتلوا منهم طائفة ونهبوهم ووجدوا من منهوبات الناس وأمتعة عسكر الفرنساوية واسلحتهم جملة فأخذوا ذلك مع ما أخذوه وأحضروا معهم بعض رجال ونساء حبسوهم بالقلعة وفيه ذهب عدة من العسكر الى صنافير واجهور الورد وقرنفيل وكفر منصور وبلاد اخرى للتفتيش على العرب فأخذوا ما وجدوه للعرب من بهائم وغيرها والذي عصى عليهم ضربوه ونهبوه ايضا ونهبوا جمالا وبهائم ممن لم يعص ايضا ودخلوا بذلك المدينة فصاروا يبيعون البقرة بريالين وثلاثة والنعجة وابنها بريال فاشترى غالب ذلك نصارى القبط
وفي يوم السبت قتلوا بالقلعة نحو التسعين نفرا وغالبهم من المماليك الذين وجدوهم هاربين في البلاد والذين عس عليهم الخبيث الاغا وبرطلمين والقلقات ووجدوهم مختفين في البيوت
وفيه قبضوا على خمسة أنفار من اليهود وأمرأتين فألقوا الجميع في بحر النيل وفيه نادوا بان كل من اشترى شيئا من منهوبات العرب التي نهبتها العسكر يحضره لبيت صارى عسكر
وفيه كثر الاهتمام والحركة بسفر الفرنسيس الى جهة الشام وطلبوا وهيؤا جملة من الهجن وأحضروا جمال عرب الترابين ليحملوا عليها الذخيرة والدقيق والعليق والبقسماط ثم رسموا على الاهالي عدة كبيرة من الحمير وكذلك عدة من البغال فطلب شيخ الحمارة وأمر بجمع ذلك وكذلك الركبداريه أمرهم بجمع البغال فاختفى غالب أصحاب الحمير وخاف الناس على حميرهم فأمتنع خروج السقائين الذين ينقلون الماء بالقرب على الحمير وسقائين الجمال والبراسمية فحصل للناس ضيق بسبب ذلك
وفي يوم الاثنين حادي عشرينه كتبوا أرواقا ولصقوها بالاسواق على العادة ونصها
الحمد لله وحده وهذا خطاب الى جميع اهل مصر من خاص وعام من محفل الديوان الخصوصي من عقلاء الانام علماء الاسلام والوجاقات والتجار الفخام نعلمكم معاشر اهل مصر ان حضرة ساري عسكر الكبير بونابارته أمير الجيوش الفرنساوية صفح الصفح الكلي عن كامل الناس والرعية بسبب ما حصل من أراذل أهل البلد والجعيدية من الفتنة والشر مع العساكر الفرنساوية وعفا عفوا شاملا وأعاد الديوان الخصوصي في بيت قائد اغا بالازبكية ورتبه من اربعة عشر شخصا اصحاب معرفة واتقان خرجوا بالقرعة من ستين رجلا كان انتخبهم بموجب فرمان وذلك لاجل قضايا حوايج الرعايا وحصول الراحة لاهل مصر من خاص وعام وتنظيمها على أكمل نظام واحكام كل ذلك من كمال عقله وحسن تدبيره ومزيد حبه بمصر وشفقته على سكانها من صغير القوم قبل كبيره رتبهم بالمنزل المذكور كل يوم لاجل خلاص المظلوم من الظالم وقد اقتص من عسكره الذين اساؤا بمنزل الشيخ محمد الجوهري وقتل منهم اثنين بقراميدان وأنزل طائفة منهم عن مقامهم العالي الى أدنى مقام لان الخيانة ليست من عادة الفرنسيس خصوصا مع النساء الارامل فان ذلك قبيح عندهم لا يفعله الا كل خسيس ووضع القبض بالقلعة على رجل نصراني مكاس لانه بلغه انه زاد المظالم في الجمرك بمصر القديمة على الناس ففعل ذلك بحسن تدبيره ليمتنع غيره من الظلم ومراده رفع الظلم عن كامل الخلق ويفتح الخليج الموصل من بحر النيل الى بحر السويس لتخف اجرة الحمل من مصر الى قطر الحجاز الافخم وتحفظ البضائع من اللصوص وقطاع الطريق وتكثر عليهم أسباب التجارة من الهند واليمن وكل فج عميق فاشتغلوا بأمر دينكم واسباب دنياكم واتركوا الفتنة والشرور ولا تطيعوا شيطانكم وهواكم وعليكم بالرضا بقضاء الله وحسن الاستقامة لاجل خلاصكم من اسباب العطب والوقوع في الندامة رزقنا الله واياكم التوفيق والتسليم ومن كانت له حاجة فليأت الى الديوان بقلب سليم الا من كان له دعوى شرعية فليتوجه الى قاضي العسكر المتولي بمصر المحمية بخط السكرية والسلام عن أفضل الرسل على الدوام
وفيه أرسلوا الوالي لينبه على السقائين بنقل الماء وعدم التعرض لهم ولحميرهم
وفي ليلة الاربعاء ثالث عشرينه خرج عدة كبيرة من العسكر وطلب كبير الفرنساوية بونابارته ان يأخذ معه مصطفى بك كتخدا الباشا المتولي أمير الحاج ويأخذ ايضا قاضي العسكر بجمقشي زاده وأربعة أنفار من المتعممين وهم الفيومي والصاوي والعريشي والدواخلي وجماعة ايضا من التجار والوجاقلية ونصارى القبط والشوام
وفي سادس عشرينه نادوا للناس بالامان وفتح الاسواق ليلا في رمضان حكم المعتاد
وفيه انتقل قائمقام من بيته المطل على بركة الفيل وهو بيت ابراهيم بك الوالي وسكن بيت أيوب بك الكبير المطل على بركة الفيل وانتقلوا جميعهم الى بركة الازبكية
وفيه أعرض حسن أغا محرم المحتسب لسارى عسكر امر ركوبه المعتاد لاثبات هلال رمضان فرسم له بذلك على العادة القديمة فاحتفل لذلك المحتسب احتفالا زائدا وعمل وليمة عظيمة في بيته أربعة ايام اولها السبت وآخرها الثلاثاء دعا في اول يوم العلماء والفقهاء والمشايخ والوجاقلية وغيرهم وفي ثاني التجار والاعيان وكذلك ثالث يوم ورابع يوم دعا ايضا أكابر الفرنساوية وأصاغرهم وركب يوم الثلاثاء بالابهة الكاملة زيادة عن العادة وامامه مشايخ الحرف بطبولهم وزمورهم وشق القاهرة على الرسم المعتاد ومر على قائمقام وامير الحاج وسارى عسكر بونابارته ثم رجع بعد الغروب الى بيت القاضي بين القصرين فانبتوا هلال رمضان ليلة الاربعاء ثم ركب من هناك بالموكب وامامه المشاغل الكثيرة والطبول والزمور والنقاقير والمناداة بالصوم وخلفه عدة خيالة عارية رؤسهم وشعورهم مرخية على أقفيتهم بشكل بشيع مهو ل وانقضى شهر شعبان وحوادثه
فمنها ان اهل مصر جروا على عادتهم في بدعهم التي كانوا عليها وانكمشوا عن بعضها واحتشموها خوفا من الفرنسيس فلما تدرجوا فيها وأطلق لهم الفرنساوية القيد ورخصوا لهم وسايروهم رجعوا اليها وانهمكوا في عمل مواليد الاضرحة التي يرون فرضيتها وانها قربة تنجيهم بزعمهم من المهالك وتقربهم الى الله زلفى في المسالك فرمحوا في غفلاتهم مع ماهم فيه من الاسر وكساد غالب البضائع وغلوها وانقطاع الاخبار ومنع الجالب ووقوف الانكليز في البحر وشدة حجزهم على الصادر والوارد حتى غلت اسعار جميع الاصناف المجلوبة من البحر الرومي وانقطع أثر كثير من رباب الصنائع التي كسدت لعدم طلابها واحتاجوا الى التكسب بالحرف الدنيئة كبيع الفطير وقلي السمك وطبخ الاطعمة والمأكولات والاكل في الدكاكين واحداث عدة قهاوى وأما ارباب الحرف الدنيئة الكاسدة فأكثرهم عمل حمارا مكاريا حتى صارت الازقة خصوصا جهات العسكر مزدحمة بالحمير التي تكرى للتردد في شوارع مصر فان للفرنسيس بذلك عناية عظيمة ومغالاة في الاجرة بحيث ان الكثير منهم يظل طول النهار فوق ظهر الحمار بدون حاجة سوى ان يجري به مسرعا في الشارع وكذلك تجتمع الجماعة منهم ويركبون الحمير ويجهدونها في المشي والاسراع وهم يغنون ويضحكون ويصيحون ويتمسخرون ويشاركهم المكارية في ذلك كما ان لهم العناية وبذل الاموال والتردد الى حانات الراح والتغالي في شراء الفواكه والبوأطي والاقداح
ومن طبعهم في الشرب انهم يتعاطون لحد النشوة وترويح النفس فان زادوا عن ذلك الحد لا يخرجون من منازلهم ومن سكر وخرج الى السوق ووقع منه أمر مخل عاقبوه وعزروه
ومنها ترفع أسافل النصارى من القبط والشوام والاروام واليهود وركوبهم الخيول وتقلدهم بالسيوف بسبب خدمتهم للفرنسيس ومشيهم الخيلاء وتجاهرهم بفاحش القول واستذلالهم المسلمين كل ذلك بما كسبت ايديهم وما ربك بظلام للعبيد والحال الحال والمركوز في الطبع ما زال والبعض استهوته الشياطين ومرق والعياذ بالله من الدين ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم
ومنها تواتر الاخبار من ابتداء شهر رجب بان رجلا مغربيا يقال له الشيخ الكيلاني كان مجاورا بمكة والمدينة والطائف فلما وردت اخبار الفرنسيس الى الحجاز وانهم ملكوا الديار المصرية انزعج اهل الحجاز ويدعوهم الى الجهادويحرضهم على نصرة الحق والدين وقرأ بالحرم كتابا مؤلفا في معنى ذلك فاتعظ جملة من الناس وبذلوا اموالهم وانفسهم واجتمع نحو الستمائة من المجاهدين وركبوا البحر الى القصير مع ما انضم اليهم من أهل ينبع وخلافه فورد الخبر في اواخره انه انضم اليهم جملة من اهل الصعيد وبعض اتراك ومغاربة ممن كان خرج معهم مع غز مصر عند وقعة انبابة وركب الغز معهم ايضا وحاربوا الفرنسيس فلم تثبت الغز كعادتهم وانهزموا وتبعهم هوارة الصعيد والمتجمعة من القرى وثبت الحجازيون ثم انكفوا لقلتهم وذلك بناحية جرجا وهرب الغز والمماليك الى ناحية اسنا وصحبتهم حسن بك الجداوي وعثمان بك حسن تابعه ووقع بين أهل الحجاز والفرنسيس بعض حروب غير هذه المرة بعدة مواضع وينفصل الفريقان بدون طائل
ومنها ان الفرنسيس عملوا كرنتيلة بجزيرة بولاق وبنوا هناك بناء فيحجزون بها القادمين من السفار اياما معدودة كل جهة من الجهات القبلية لذلك وضجوا بالحرم وجردوا الكعبة وان هذا الشيخ صار يعط الناس والبحرية بحسبها والله اعلم
احداث شهر رمضان سنة 1213
شهر رمضان المعظم
استهل شهر رمضان المعظم بيوم الاربعاء وفيه أخذ بونابارته في الاهتمام بالسفر الى جهة الشام وجهزوا طلبا كثيرا وصاروا في كل يوم يخرج منهم طائفة بعد طائفة
وفي يوم السبت عمل ساري عسكر ديوانا واحضر المشايخ والوجاقات وتكلم معهم في أمر خروجه للسفر وانهم قتلوا المماليك الفارين بالصعيد واجلوا باقيهم الى اقصى الصعيد وانهم متوجهون الى الفرقة الاخرى بناحية غزة فيقطعونهم ويمهدون البلاد الشامية لاجل سلوك الطريق ومشى القوافل والتجارات برا وبحرا لعمار القطر وصلاح الاحوال واننا نغيب عنكم شهرا ثم نعود وعند عودنا نرتب النظام في البلد والشرائع وغير ذلك فعليكم ضبط البلد والرعية في مدة غيابنا ونبهوا مشايخ الاخطاط والحارات كل كبير يضبط طائفته خوفا من الفتن مع العسكر المقيمين بمصر فالتزموا له بذلك وكتبوا له اوراقا مطبوعة على العادة في معنى ذلك وألصقوها بالطرق وفي ذلك اليوم خرج القاضي ومصطفى كتخدا الباشا والمشايخ المعينون للسفر الى جهة العادلية وخرج ايضا عدة كبيرة من عسكرهم ومعهم احمال كثيرة حتى الاسرة والفرش والحصر وعدة مواهي ومحفات للنساء والجواري البيض والسود والحبوش اللاتي أخذوها من بيوت الامراء وتزيا اكثرهن بزي نسائهم الافرنجيات وغير ذلك
وفي يوم الاحد خامسه ركب ساري عسكر الفرنسيس وخرج ايضا الى العادلية وذلك في الساعة الرابعة بطالع الحمل وفيه القمر في تربيع زحل وابقى بمصر عدة من العسكر بالقلعة والابراج التي بنوها على التلول وقائمقام وبوسليك وساري عسكر وبزة بجملة من العسكر في الصعيد وكذلك سوارى عسكر الاقاليم كل واحد معه عسكر في جهة من الجهات وأخذ معه المديرين واصحاب المشورة والمترجمين وأرباب الصنائع منهم كالحدادين والنجارين ومهندسي الحروب وكبيرهم أبو خشبة بمصر ثم تراسل المتخلفون في الخروج كل يوم تخرج منهم جماعة
وفي يوم الثلاثاء سابعه انتدب للنميمة ثلاث من النصارى الشوام وعرفوهم ان المسلمين قاصدون الوثوب على الفرنسيس في يوم الخميس تاسعه فأرسل قائمقام خلف المهدي والاغا فأحضرهما وذكر لهما ذلك فقالا له هذا كذب لا أصل له وانما هذه نميمة من النصارى كراهة منهم في المسلمين ففحص عمن اختلق ذلك فوجدهم ثلاثة من النصارى الشوام فقبضوا عليهم وسجنوهم بالقلعة حتى مضى يوم الخميس فلم يظهر صحة ما نقلوه فأبقاهم في الاعتقال ثم ان نصارى الشوام رجعوا الى عادتهم القديمة في لبس العمائم السود والزرق وتركوا لبس العمائم البيض والشيلان الكشميري الملونة والمشجرات وذلك بمنع الفرنسيس لهم من ذلك ونبهوا ايضا بالمنادة في أول رمضان بأن نصارى البلد يمشون على عادتهم مع المسلمين اولا ولا يتجاهرون بالاكل ولا يشربون الدخان ولا شيئا من ذلك بمرآى منهم كل ذلك للاستجلاب خواطر الرعية حتى ان بعض الرعية من الفقهاء مر على بعض النصارى وهو يشرب الدخان فانتهزه فرد عليه ردا شنيعا فنزل ذلك المتعمم وضرب النصراني واجتمع عليه الناس وحضر حاكم الخطة فرفعهما الى قائمقام فسأل من النصارى الحاضرين عن عادتهم في ذلك فأخبروه ان من عادتهم القديمة انه اذا استهل شهر رمضان لا يأكلون ولا يشربون في الاسواق ولا بمرأى من المسلمين ابدا فضرب النصراني وترك المتعمم لسبيله
وفي تاسع عشرينه أحضروا مراد أغا تابع سليمان بك الاغا ومعه آخر من الاجناد من ناحية قبلي فأصعدوهما القلعة قبل قتلهما
وفي خامس عشرينه ورد الخبر بان الفرنساويه ملكوا قلعة العريش وطاف رجل من اتباع الشرطة ينادي في الاسواق ان الفرنساوية ملكوا قلعة العريش وأسروا عدة من المماليك وفي غد يعملون شنكا ويضربون مدافع فاذا سمعتم ذلك فلا تفزعوا فلما اصبح يوم الاحد حضر المماليك المذكورة وهم ثمانية عشر مملوكا وأربعة من الكشاف وهم راكبون الحمير ومتقلدون بأسلحتهم ومعهم نحو المائة من عسكر الفرنسيس وأمامهم طبلهم وخرج بعض الناس فشاهدهم ولما وصلوا الى خارج القاهرة حيث الجامع الظاهري خرج الاغا وبرطلمين بطوافيهما ينتظرانهم ومعهم طبول وبيارق وطوائف ومشوا معهم الى الازبكية من الطريق التي أحدثوها ودخلوا بهم الى بيت قائمقام فأخذوا سلاحهم وأطلقوهم فذهبوا الى بيوتهم وفيهم أحمد كاشف تابع عثمان بن الاشقر وآخر يقال له حسن كاشف الدويدار وكاشفان اخران وهما يوسف كاشف الرومي واسمعيل كاشف تابع احمد كاشف المذكور وكان من خبرهم انهم كانوا مقيمين بقلعة العريش وصحبتهم نحو الف عسكري مغاربة وأرنؤد فحضر لهم الفرنسيس الذين كانوا في المقدمة في أواخر شعبان فأحاطوا بالقلعة وحاربوهم من داخلها ونالوا منهم ما نالوه ثم حضر اليهم سارى عسكر بجموعه بعد ايام والحوا في حصارهم فارسل من بالعريش الى غزة فطلب نجدة فأرسلوا لهم نحو السبعمائة وعليهم قاسم بك امين البحرين فلم يتمكنوا من الوصول الى القلعة لتحلق الفرنساوية بها وأحاطتهم حولها فنزلوا قريبا من القلعة فكبستهم عسكر الفرنسيس بالليل فأستشهد قاسم بك وغيره وانهزم الباقون ولم يزل أهل القلعة يحاربون ويقاتلون حتى فرغ ما عندهم من البارود والذخيرة فطلبوا عند ذلك الامان فأمنوهم ومن القلعة انزلوهم وذلك بعد أربعة عشر يوما فلما نزلوا على أمانهم ارسلوهم الى مصر مع الوصية بهم وتخلية سبيلهم فحضروا الى مصر كما ذكر واخذوا سلاحهم وخلوا سبيلهم وصاروا يترددون عليهم ويعظمونهم ويلاطفونهم ويفرجونهم على صنائعهم وأحوالهم وأما العسكر الذين كانوا معهم بقلعة العريش فبعضهم انضاف اليهم وأعطوهم جامكية وعلوفة وجعلوهم بالقلعة مع عسكر من الفرنسيس والبعض لم يرض بذلك فأخذوا سلاحهم وأطلقوهم الى حال سبيلهم وذهب الفرنسيس الى ناحية غزة وفي ذلك اليوم بعد الظهرعملوا الشنك الموعود به وضربوا عدة مدافع بالقلعة والازبكية وأظهر النصارى الفرح والسرور بالاسواق والدور واولموا في بيوتهم الولائم وغيروا الملابس والعمائم وتجمعوا للهو والخلاعة وزادوا في القبح والشناعة
وفي يوم الاربعاء تدفي احمد كاشف المذكور فجأة وفي عصر ذلك اليم حضر جماعة من الفرنسيس نحو الخمسة والعشرين وهم راكبون الهجن وعلى رؤوسهم عمائم بيض ولابسون برانس بيضا على اكتافهم فذهبوا الى بيت قائمقام بالازبكية فلما اصبح يوم الخميس عملوا الديوان وقرأوا المكاتبة التي حضرت مع الهجانة حاصلها ان الفرنسيس اخذوا غزة وخان يونس وأخبار مختلفة
منها انهم وجدوا ابراهيم بك ومن معه ارتحلوا من هناك وكانوا أرسلوا حريمهم واثقالهم الى جبل نابلس وقيل بل تحاربوا معهم وانهزموا وفي ذلك اليوم بعد العصر بنحو عشرين درجة حضر عدة من الفرنسيس ومعهم كبير منهم وهم راكبون الخيول وعدة من المشاة وفيهم جماعة لابسون عمائم بيضا وجماعة ايضا ببرانيط ومعهم نفير ينفخ فيه وبيدهم بيارق وهي التي كانت عند المسلمين على قلعة العريش الى أن وصلوا الى الجامع الأزهر فأصطفوا رجالا وركبانا بباب الجامع وطلبوا لشيخ الشرقاوي فسلموه تلك البيارق وأمروه برفعها ونصبها على منارات الجامع الازهر فنصبوا بيريقين ملونين علىالمنارة الكبيرة ذات الهلالين عند كل هلال بيرقين وعلى منارة اخرى بيرقا ثالثا وعند دفعهم ذلك ضربوا عدة مدافع من القلعة بهجة وسرورا وكان ذلك ليلة عيد الفطر فلما كان عند الغروب ضربوا عدة مدافع ايضا اعلاما بالعيد وبعد العشاء الاخير طاف اصحاب الشرطة ونادوا بالامان وبخروج الناس على عادتهم لزيارة القبور بالقرافتين والاجتماع لصلاة العيد وان يلبسوا احسن ثيابهم ولما ملكوا العريش كتبوا اوراقا وأرسلوها الى البلاد ونصها فرمان عام موجه من امير الجيوش الى اهالي الشام قاطبة
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين من طرف بونابارته امير الجيوش الفرنساوية الى حضرة المفتين والعلماء وكافة اهالي نواحي غزة والرملة ويافا حفظهم الله تعالى بعد السلام نعرفكم اننا حررنا لكم هذه السطور نعلمكم اننا حضرنا في هذا الطرف لقصد طرد المماليك وعسكر الجزار عنكم والى أي سبب حضور عسكر الجزار وتعديه على بلاد يافا وغزة التي ما كانت من حكمه والى أي سبب ايضا ارسل عساكره الى قلعة العريش بذلك هجم على اراضي مصر فلا شك كان مراده اجراء الحروب معنا ونحن حضرنا لنحاربه فاما انتم يا أهالي الاطراف المشار اليها فلم نقصد لكم أذية ولا أدنى ضرر فأنتم استمروا في محلكم ووطنكم مطمئنين ومرتاحين وأخبروا من كان خارجا عن محله ووطنه أن يرجع ويقيم في محله ووطنه ومن قبلنا عليكم ثم عليهم الامان الكافي والحماية التامة ولا أحد يتعرض لكم في مالكم وما تملكه يدكم وقصدنا ان القضاة يلازمون خدمهم ووظائفهم على ما كانوا عليه وعلى الخصوص ان دين الاسلام لم يزل معتزا ومعتبرا والجوامع عامرة بالصلاة وزيارة المؤمنين اذ كل خير يأتي من الله تعالى وهو يعطي النصر لمن يشاء ولا يخفاكم ان جميع ما تأمر به الناس ضدنا فيغدو باطلا ولا نفع لهم به لان كل ما نضع به يدنا لا بد من تمامه بالخير والذي يتظاهر بالغدر يهلك ومن كل ما حصل تفهمون جيدا اننا نقمع أعداءنا ونعضد من يحبنا وعلى الخصوص من كوننا متصفين بالرحمة والشفقة على الفقراء والمساكين
ولما أخذوا غزة أرسلوا طومارا بصورة الواقعة وبصموه نسخا وقرىء بالديوان وألصقوا نسخة المطبوعة بالاسواق وصورته
بسم الله الرحمن الرحيم ولا عدوان الا على الظالمين نخبر اهل مصر وأقاليمها انه حضر فرمان مكتوب من غزة من حضرة الجنرال اسكندر برتبه خطابا الى حضرة سارى عسكر دوجا وكيل الجيوش بمصر يخبره فيه بان العساكر الفرنساوية باتوا ليلة تسعة عشر شهر رمضان في خان يونس وفي فجر تلك الليلة توجهوا سائرين الى ناحية غزة فكشفوا قبل الظهر بساعة عسكر المماليك وعسكر الجزار جالسين تجاه غزة فتوجه اليهم الجنرال مرارا مع عساكر الفرنساوية من خيالة ومشاة مراده اغتيال عسكر المماليك وعسكر الجزار فلما انتبهوا له فروا هاربين ووقع بينه وبين أطراف العساكر بعض مضاربة يسيرة لم ينجرح فيها الا شخصان من الفرنساوية مات عسكري واحد ومات من عسكر المماليك والجزار ناس قلائل وحين تشاغل سارى عسكر مراد بالمضاربة والمقاتلة دخل حضرة سارى عسكر كلهبر الذي كان حاكما بالاسكندرية وكان ساكنا بالازبكية الى بندر غزة وملكها من غير معارض له ووجدوا فيها حواصل مشحونة بالذخائر من بقسماط وشعير وأربعمائة قنطار بارود واثني عشر مدفعا وحاصلا كبيرا مملوا بالخيام الكثيرة وجللا وبنبات مهيئآت محضرات كصنعة الافرنج هذا ما وقع لملكهم لغزة وقد اخبرناكم على ما وقع في كيفية ملك العريش سابقا فاستقيموا عباد الله وارضوا بقضاء اله وتأدبوا في احكام مولاكم الذي خلقكم وسواكم والسلام ختام
وانقضى شهر رمضان ووقع به قبل ورود هذه الاخبار من السكون والطمأنينة وخلوا الطرقات من العسكر وعدم مرور المتخلفين منهم الا في النادر واختفائهم بالليل جملة كافية وانفتاح الاسواق والدكاكين والذهاب والمجيء وزيارة الاخوان ليلا والمشي على العادة بالفوانيس ودونها واجتماع الناس للسهر في الدور والقهاوي ووقود المساجد صلاة التراويح وطواف المسحرين والسلي بالرواية والنقول وترجي المأمول وانحلال الاسعار فيما عدا المجلوبات من الاقطار
ومنها ان الفرنساوية صاروا يدعون أعيان الناس والمشايخ والتجار للافطار والسحور ويعملون لهم الولائم ويقدمون لهم الموائد على نظام المسلمين وعادتهم وبتولي أمر ذلك الطباخون والفراشون من المسلمين تطمينا لخواطرهم ويذهبون هم ايضا ويحضرون عندهم الموائد وياكلون معهم في وقت الافطار ويشاهدون ترتيبهم ونظامهم ويحذون حذوهم ووقع منهم من المسايرة للناس وخفض الجانب ما يتعجب منه والله اعمل
عجائب الآثار في التراجم والأخبار
المؤلف : عبد الرحمن بن حسن الجبرتي
مجلة نافذة ثقافية ـ البوابة