من طرف غذاؤك الخميس 12 يونيو 2014 - 21:48
بّسم اللّه الرّحمن الرّحيم
الرحلة الزكية للأراضى الحجازية
المنبر والخطيب ومعالم المدينة
● [ ذكر المنبر الكريم ] ●
وفي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليماً كان يخطب إلى جزع نخلة بالمسجد، فلما صنع له المنبر وتحول إليه حنّ الجذع حنين الناقة إلى حوارها .وروي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليماً نزل إليه فالتزمه فسكن. وقال: ( لو لم ألتزمه لحنَّ إلى يوم القيامة ) . واختلفت الروايات فيمن صنع المنبر الكريم. فروي أن تميماً الداري رضي الله عنه هو الذي صنعه. وقيل: إن غلاماً للعباس رضي الله عنه صنعه، وقيل: غلام لأمرأة من الأنصار ورد ذلك في الحديث الصحيح. وصنع من طرفاء الغابة، وقيل من الأثل. وكان له ثلاث درجات. فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقعد على علياهن، ويضع رجليه الكريمتين في وسطاهن. فلما ولي أبو بكر الصديق رضي الله عنه قعد على وسطاهن، وجعل رجليه على أولاهن. فلما ولي عمر رضي الله عنه جلس على أولاهن وجعل رجليه على الأرض، وفعل ذلك عثمان رضي الله عنه صدراً من خلافته، ثم ترقى إلى الثالثة. ولما أن صار الأمر إلى معاوية رضي الله عنه أراد نقل المنبر إلى الشام، فضج المسلمون. وعصفت ريح شديدة، وخسفت الشمس، وبدت النجوم نهاراً، وأظلمت الأرض، فكان الرجل يصادم الرجل ولا يتبين مسلكه، فلما رأى ذلك معاوية تركه، وزاد فيه ست درجات من أسفله، فبلغ تسع درجات.
● [ ذكر الخطيب والإمام والخدام ] ●
بمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم
وكان الإمام بالمسجد الشريف في عهد دخولي إلى المدينة بهاء الدين بن سلامة من كبار أهل مصر، وينوب عنه العالم االصالح الزاهد بقية المشايخ، عز الدين الواسطي، نفع الله به، وكان يخطب قبله ويقضي بالمدينة الشريفة سراج الدين عمر المصري.
وخدام هذا المسجد الشريف وسدنته من الأحابيش وسواهم وهم على هيئات حسان، وصور نظاف، وملابس ظراف، وكبيرهم يعرف بشيخ الخدام، وهو في هيئة الأمراء الكبار، ولهم المرتبات بديار مصر والشام، ويؤتى إليهم بها في كل سنة، ورئيس المؤذنين بالحرم الشريف الإمام المحدث الفاضل جمال الدين المطري، من مطرية قرية بمصر، وولده الفاضل عفيف الدين عبد الله، والشيخ المجاور الصالح أبو عبد الله محمد بن محمد بن محمد الغرناطي المعروف بالتراس قديم المجاورة، وهو الذي جب نفسه خوفاً من الفتنة.
● [ بعض المشاهد بخارج المدينة ] ●
بقيع الغرقد :
وهو بشرقي المدينة المكرمة، ويخرج إليه على باب يعرف بباب البقيع. فأول ما يلقى الخارج إليه على يساره عند خروجه من الباب قبر صفية بنت عبد المطلب رضي الله عنهما، وهي عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأم الزبير بن العوام رضي الله عنه، وأمامها قبر إمام المدينة أبي عبد الله مالك بن أنس رضي الله عنه، وعليه قبة صغيرة مختصرة البناء، وأمامه قبر الطاهر الكريم إبراهيم بن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه قبة بيضاء، وعن يمينها تربة عبد الرحمن بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما وهو المعروف بأبي شحمة، وبإزائه قبر عقيل بن أبي طالب رضي الله عنه، وقبر عبد الله بن ذي الجناحين جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه، وبإزائهم روضة فيها قبور أمهات المؤمنين رضي الله عنهن، ويليها روضة فيها قبر العباس بن عبد المطلب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقبر الحسن بن علي بن أبي طالب عليهما السلام، وهي قبة ذاهبة في الهواء بديعة الإحكام، عن يمين الخارج من باب البقيع، ورأس الحسن إلى رجلي العباس عليهما السلام، وقبراهما مرتفعان عن الأرض، متسعان مغشيان بألواح بديعة الالتصاق، مرصعة بصفائح الصفر البديعة العمل. وبالبقيع قبور المهاجرين والأنصار وسائر الصحابة رضي الله عنهم. إلا أنها لا يعرف أكثرها. وفي آخر البقيع قبر أمير المؤمنين أبي عمر عثمان بن عفان رضي الله عنه، وعليه قبة كبيرة وعلى مقربة منه قبر فاطمة بنت أسد بن هاشم أم علي بن أبي طالب رضي الله عنها وعن ابنها.
قباء :
وهو قبلي المدينة، على نحو ميلين منها والطريق بينهما في حدائق النخل، وبه المسجد الذي أسس على التقوى والرضوان. وهو مسجد مربع فيه صومعة بيضاء طويلة تظهر على البعد وفي وسطه مبرك الناقة بالنبي صلى الله عليه وسلم، يتبرك الناس بالصلاة فيه، وفي الجهة القبلية من صحنه محراب على مصطبة، وهو أول موضع ركع فيه النبي صلى الله عليه وسلم. وفي قبلي المسجد دار كانت لأبي أيوب الأنصاري. ويليها دور تنسب لأبي بكر وعمر وفاطمة وعائشة رضي الله عنهم. وبإزائه بئر أريس، وهي التي عاد ماؤها عذباً لما تفل فيه النبي صلى الله عليه وسلم، بعد أن كان أجاجاً. وفيها وقع الخاتم الكريم من عثمان رضي الله عنه.
حجر الزيوت :
وهو بخارج المدينة الشريفة. يقال: إن الزيت رشح من حجر هنالك للنبي صلى الله عليه وسلم. وإلى جهة الشمال منه بئر بضاعة. بإزائها جبل الشيطان، حيث صرخ يوم أحد وقال: قد قتلت نبيكم. وعلى شفير الخندق الذي حفره رسول الله صلى الله عليه وسلم عند تخرب الأحزاب، حصن خرب يعرف بحصن العزاب. يقال: إن عمر بناه لعزاب المدينة. وأمامه إلى جهة الغرب بئر رومة التي اشترى أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه نصفها بعشرين ألفاً،
جبل أحد :
وهو الجبل المبارك الذي قال فيه رسول اله صلى الله عليه وسلم تسليماً: " إن أحداً جبل يحبنا ونحبه " وهو بجوار المدينة الشريفة، على نحو فرسخ منها، وبإزائه الشهداء المكرمون رضي الله عنهم. وهنالك قبر حمزة عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنه، وحوله الشهداء المستشهدون في أحد رضي الله عنهم، وقبورهم لقبلي أحد. وفي طريق أحد مسجد ينسب لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه، ومسجد ينسب إلى سلمان الفارسي رضي الله عنه، ومسجد الفتح حيث أنزلت سورة الفتح على رسوله صلى الله عليه وسلم.
وكانت إقامتنا بالمدينة الشريفة في هذه الوجهة أربعة أيام: وفي كل ليلة نبيت بالمسجد الكريم، والناس قد حلقوا في صحنه حلقاً، وأوقدوا الشمع الكبير. وبينهم ربعات القرآن الكريم يتلونه، وبعضهم يذكرون الله، وبعضهم في مشاهدة التربة الطاهرة، زادها الله طيباً، والحداة بكل جانب يترنمون بمدح رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهكذا دأب الناس في تلك الليالي المباركة، ويجودون بالصدقات الكثيرة على المجاورين والمحتاجين. وكان في صحبتي في هذه الوجهة من الشام إلى المدينة الشريفة رجل من أهلها فاضل يعرف بمنصور بن شكل، وأضافني بها. واجتمعنا بعد ذلك بحلب وبخارى. وكان في صحبتي أيضاً قاضي الزيدية شرف الدين قاسم بن شنان، وصحبني أيضاً أحد الصلحاء الفقراء، من أهل غرناطة، يسمى بعلي بن حجر الأموي.
مقتبسة من كتاب رحلة أبن بطوطة
منتديات الرسالة الخاتمة - البوابة