بّسم اللّه الرّحمن الرّحيم
القانون فى الطب لإبن سينا
الكتاب الأول: الأمور الكلية فى علم الطب
الفن الثالث: الصحة والمرض وضرورة الموت
التعليم الثالث : تدبير المشايخ
● [ الفصل الأول : قول كلي في تدبير المشايخ ] ●
جملة تدبيرهم في استعمال ما يرطّب ويسخن معاً من إطالة النوم، واللبث في الفراش أكثر من الشبان، ومن الأغذية والاستحمامات والأشربة وإدامة إدرار بولهم وإخراج البلغم من معدهم من طريق المعي والمثانة، وأن يدام لين طبيعتهم وينفعهم جداً الدلك المعتدل في الكمية والكيفية مع الدهن، ثم الركوب أو المشي إن كانوا يضعفون عن الركوب. والضعيف منهم يعاد عليه الدلك ويُثنى، ويجب أن يتعهد التطيب من العطر كثيراً وخصوصاً الحار باعتدال، وأن يمرخوا بالدهن بعد النوم، فإن ذلك ينبه القوة الحيوانية، ثم يستعمل المشي والركوب.
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
● [ الفصل الثاني : تغذية المشايخ ] ●
يجب أن يفرق غذاء الشيخ قليلاً قليلاً، ويغذى في كرتين أو ثلاث بحسب الهضم وقوته وضعفه فيأكل في الساعة الثالثة الخبز الجيّد الصنعة مع العسل، وفي السابعة بعد الاستحمام ما يلين البطن مما نذكره، ويتناول بعد ذلك بقرب الليل الطعام المحمود الغذاء، فإن كان قوياً زيد في غذائه قليلاً، وليجتنبوا كل غذاء غليظ يولد السوداء والبلغم، وكل حاد حريف يجفف مثل الكواميخ والتوابل، إلا على سبيل الدواء، فإن فعلوا من ذلك ما ملا ينبغي لهم فتناولوا من الصنف الأول مثل المالح والباذنجاق والمقدد ولحوم الصيد، أو مثل السمك الصلب اللحم والبطيخ الرقيّ والقثاء، أو فعلوا الخطأ الثاني، فأكلوا الكواميخ والصحناة واللبن، عولجوا بتناول الضد، بل إنما يجب أن يستعمل فيهم الملطفات إذا علم أن فيهم فضولاً، فإذا نقوا غذوا بالمرطبات، ثم يعاودون أحياناً بأشياء من الملطفات مغ الغذاء على ما سنقول فيه. وأما اللبن فينتفع به منهم من يستمرئه ولا يجد عقيبه تمدداً في ناحية الكبد أو البطن، ولا حكّة ولا وجعاً، فإن اللبن يغفو ويرطب. وأوفقه لبن الماعز والأتن. ولبن الأتن من خواصه أنه لا يتجبن كثيراً، وينحدر سريعاً ولا سيما إن كان معه ملح وعسل. ويجب أن يتعهد المرعى حتى لا يكون نباتاً عفصاً، أو حريفاً أو حامضاً أو شديد الملوحة.
وأما البقول والفواكه التي تتناولها المشايخ فى مثل السلق والكرفس، وقليل من الكرات يتناولها مطيبة بالمري والزيت، وخصوصاً قبل طعامهم ليعين على تليين الطبيعة، وإذا استعملوا الثوم في الأوقات وكانوا معتادين له انتفعوا به، والزنجبيل المربّى من الأدوية الموافقة لهم، وأكثر المربيات الحارة، وليكن بقدر ما يسخن ويهضم لا بقدر ما يجفف البدن.
ويجب أن تكون أغذيتهم مرطّبة إنما ينفعل عن هذه من طريق الهضم والتسخين ولا ينفعل إلى التجفيف ومما يستعملونه لتليين طبائعهم ويوافق أبدانهم من الفواكه، التين والإجاص في الصيف، والتين اليابس المطبوخ بماء العسل إن كان الوقت شتاء. وجميع هذا يجب أن يكون قبل الطعام لتليين طبائعهم، وأيضاً اللبلاب المطبوخ بالماء والملح مطيباً بالماء والزيت، وأصل البسفايج إذا جعل شورباجة من الدجاج، أو في مرقة السلق أو في مرقة الكرنب، فإن كانت طبيعتهم تستمر على لين يوماً دون يوم، فعن المسهل والمزلق غنى. وإن كانت تلين يوماً وتحتبس يومين، كفاهم مثل اللبلاب وماء الكرنب ولباب القرطم بكشك الشعير، أو مقدار جوزة أو جوزتين من صمغ البطم. وأكثره ثلاث جوزات، فإنها تلين طبائعهم بخاصية فيه ويجلو الأحشاء بغير أذى. وينفعهم اْيضاً الدواء المركّب من لباب القرطم مع عشرة أمثاله تيناً يابساً والشربة منه كالجوزة. وتنفعهم الحقنة بالدهن فإن فيها مع الاستفراخ تليين الأحشاء وخصوصاً الزيت العذب ويجتنب فيهم الحقن الحارة فإنها تجافف أمعاءهم. وأما الحقنة الرطبة الدهنية فإنها من أنفع الأشياء لهم إذا احتبست بطونهم أياماً. ولهم أدوية ملينة للطبيعة خاصة سنذكرها في القراباذين ويجب أن يكون الاستفراغ في الكهول والمشايخ بغير الفصد ما أمكن، فإن الإسهال المعتدل أوفق لهم.
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
● [ الفصل الثالث : شراب المشايخ ] ●
خير شرابهم العتيق الأحمر ليدر ويسخن معاً، وليجتنبوا الحديث والأبيض، إلا أن يكونوا استحموا بعد التناول من الغذاء وعطشوا، فيسقون حينئذ شراباً رقيقاً قليل الغذاء، على أنه لهم بدل الماء، وليجتنبوا الحلو المسدد من الأشربة.
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
● [ الفصل الرابع : تفتيح سدد المشايخ ] ●
إن عرض لهم. سدد، وأسهلها ما عرض من شرب الشراب، فيجب أن يفتحوا بالفودنجي والفلافلي وينثر الفلفل على الشراب وإن كانت عادتهم قد جرت باستعمال الثوم والبصل، استعملوها. والترياق ينفعهم جداً وخصوصاً عند حدوث السدد. وكذلك أتاناسيا وأمروسيا، ولكن يجب أن يترطبوا بعده بالاستحمام وبا لتمريخ وبا لأغذية مثل ماء اللحم بالخندروس والشعير. واستعمالهم شراب العسل ينفعهم ويؤمنهم حدوث السدد ووجع المفاصل بعد أن يزاد عليه مع إحساس سدة في عضو أو إحساس استعداده لها ما يخصه كبزر الكرفس، وأصله لأعضاء البول وإن كانت السدة حصوية طبخ بما هو أقوى مثل فطراساليون ، وأن كانت السدد في الرئة فمثل البرشاوشان والزوفا والسليخة وما يشبه ذلك.
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
● [ الفصل الخامس : دَلْكِ المشايخ ] ●
يجب أن يكون معتدلاً في الكيف والكم غير متعرض للأعضاء الضعيفة أصلاً، أو المثانة، وإن كان الدلك ذا مرَات، فليدلكوا في المرَات بخرق خشنة، أو أيد مجردة، فإن ذلك ينفعهم ويمنع نوائب علل أعضائهم وينفعهم الحمام مع الدلك.
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
● [ الفصل السادس : رياضة المشايخ ] ●
تختلف رياضة المشايخ بحسب اختلاف حالات أبدانهم وبحسب ما يعتادهم من العلل وبحسب عاداتهم في الرياضة، فإن كانت أبدانهم على غاية الاعتدال، وافقهم الرياضات المعتدلة ثم إن كان عضو منهم ليس على أفضل حالاته جعلوا رياضته تابعة لسائر الأعضاء في الرياضة، مثل أن كان رأسه يعتريه الدوار أو الصراع أو انصباب مواد إلى الرقبة، وكان كثيراً ما يصعد فيه بخارات إلى الرأس والدماغ، لم يوافقهم من الرياضات ما يطأطىء الرأس ويدلّيه، ولكن يجب أن يمالوا إلى الارتياض بالمشي والإحضار والركوب وكل رياضة تتناول النصف الأسفل.
وإن كانت الآفة إلى جهة الرجل استعملوا الرياضات الفوقانية كالمشايلة ورمي الحجارة ورفع الحجر.
وإن كانت الآفة في ناحية الوسط كالطحال والكبد والمعدة والأمعاء، وافقهم كلتا الرياضتين الطرفيتين إن لم يمنع مانع.
وأما إن كانت الآفة في ناحية الصدر فلا يوافقهم إلا الرياضة الفوقانية ولا سبيل لهم إلى أن يدرجوا تلك الأعضاء في الرياضة ليقووها بها، وهذا للمشايخ بخلاف ما في سائر الأسنان وبخلاف المشايخ المستهلكين الذي يوافقهم أكثر ما يوافق المشايخ، فإن أولئك يجب أن يقووا الأعضاء الضعيفة بتدريجها في النوع من الرياضة التي توافقها وتليق بها، وأما الأعضاء المريضة فربما راضوها، وربما لم يرخص لهم في ذلك أعني إذا كانت حارة أو يابسة أو فيها مادة يخاف أن تميل إلى العفونة وليس بها نضج.
● [ تم التعليم الثالث وهو ست فصول ] ●
بّسم اللّه الرّحمن الرّحيم
القانون فى الطب لإبن سينا
الكتاب الأول: الأمور الكلية فى علم الطب
الفن الثالث: الصحة والمرض وضرورة الموت
التعليم الرابع : تدبير بدن من مزاجه فاضل
● [ الفصل الأول : استصلاح المزاج الأزيد حرارة ] ●
نقول: إن سوء المزاج الحار، إما أن يكون مع اعتدال من المنفعلين أو غلبة يبوسة أو رطوبة، وإذا اعتدلت المنفعلتان عرفنا أن زيادة الحرارة إلى حد وليست بمفرطة، وإلا لجففت. وأما الحار مع اليبوسة، فيجوز أن يبقى هذا المزاج بحاله مدة طويلة. وأما الحار مع الرطوبة، فإن اجتماعهما لا يطول، فتارة تغلب الرطوبة الحرارة فتطفئها، وتارة تغلب الحرارة الرطوبة فتجففها.
فإن غلبت الرطوبة، فإن صاحبها يصلح حاله عند المنتهى في الشباب ويصير معتدلاً فيهما. فإذا انحط أخذت الرطوبة الغريبة تزداد والحرارة تنقص.
فنقول: إن جملة تدبير حارّي المزاج منحصرة في غرضين: أحدهما: أن نردهم إلى الاعتدال، والثاني: أن نستحفظ صحتهم على ما هي عليه.
أما الأول، فإنما يتيسر للوادعين المكفيين الموطنين أنفسهم على صبر طويل مدة رجوعهم بالتدريج إلى الاعتدال، لأن من يردّهم من غير تدريج يمرض أبدانهم.
وأما الثاني، فإنما يمكن تدبيرهم بأغذية تشاكل مزاجهم حتى تحفظ الصحة الموجودة لهم، فمن كان من حاري المزاج معتدلاً في المنفعلتين كانوا أدنى إلى الصحة في ابتداء أمرهم، وكان مزاجهم أسرع لنبات أسنانهم وشعورهم، وكانوا ذوي بيان ولسن وسرعة في المشي. ثم إذا أفرط عليهم الحر وزاد اليبس، حدث لهم مزاج لذاع. وكثير منهم يتولد فيهم المرار كثيراً، وتدبيرهم في السن الأول هو تدبير المعتدلين، فإذا انتقلوا نقلوا إلى تدبير من يرام إدرار بوله واستفراغ مراره، ومن الجهة التي تميل إليها فضولهم جهتي الإسهال أو القيء.
وإذا لم تف الطبيعة بإمالة الخلط إلى الاستفراغ أعينت بأشياء خفية.
أما القيء فبمثل شرب الماء الحار الكثير وحده أو مع النبذ، وأما الإسهال فمثل البنفسج المربى والتمر الهندي والشيرخشك والترنجبين. ويجب أن تخفف رياضتهم وأن يغذوا بغذاء حسن الكيموس، وربما وجب أن يثلثوا الاستحمام في اليوم، ويجب أن يجنبوا كل سبب مسخن. وإن لم يورثهم الاستحمام عقيب الطعام تمدداً أو تعقداً في ناحية الكبد والبطن، استعملوه على أمن. وأما إن عرض شيء من ذلك، فعليهم باستعمال المفتحات مثل نقيع الأفسنتين وداء الصبر والأنيسون واللوز المر والسكنجبين، ويمنعوا عن الإستحمام بعد الطعام. ويجب أن يسقوا هذه المفتحات بعد انهضام الطعام الأوّل وقبل أخذهم الطعام الثاني، بل في وقت بينهم فيه وبين أخذ الطعام الثاني فسحة مدّة وذلك ما بين انتباههم بالغدوات واستحمامهم وينبغي أن يديموا التمريخ بالدهن ويسقوا الشراب الأبيض الرقيق وينفعهم الماء البارد.
وأصحاب المزاج اليابس الحار في أول الأمر أولى بذلك كله.
وأما أصحاب المزاج الحار الرطب فهم بعرض العفونة وانصباب المواد إلى الأعضاء، فلتكن رياضتهم كثيرة التحليل لينة لئلا يسخن مع توق من حركة تظهر في الأخلاط بثوراً. وأكثر ما يجب أن يجتنب الرياضة منهم من لم يعتدها والأصوب أن يرتاضوا بعد الاستفراغ، وأن يستحموا قبل الطعام،وأن يعنوا بنفض الفضول كلها وإذا دخلوا في الربيع احتاطوا بالفصد والاستفراغ.
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
● [ الفصل الثاني : استصلاح المزاج الأزيد برودة ] ●
أصناف هؤلاه ثلاثة فمن كان منهم معتدل المنفعلتين، فليقصد قصد إنهاض حرارة بأغذية حارة متوسطة في الرطوبة واليبس وبالأدهان المسخنة والمعاجين الكبار والاستفراغات الخاصة بالرطوبات والاستحمامات المعرفة والرياضات الصالحة، فإنهم وإن كانوا معتدلي الرطوبة في وقت، فهم بعرض تولد الرطوبات فيهم لمكان البرد، وأما الذين بهم مع ذلك يبس، فإن تدبيرهم هو بعينه تدبير المشايخ.
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
● [ الفصل الثالث : تدبير الأبدان السريعة القبول ] ●
هؤلاء إنما يستعدون لذلك، إما لامتلائهم، فلتعدل منهم كمية الأخلاط، وإما لأخلاط نيئة فيهم فلتعدل كيفيتها. وليختر لهم من الأغذية ما يغذو غذاء وسطاً بين القليل والكثير. وتعديل كمية الأخلاط هو بتعديل مقدار الغذاء، وزيادة الرياضة والدلك فبل الاستحمام إن كانا معتادين، وبالأخف منهما إن لم يكونا معتادين، وأن يوزع عليه التغدية ولا يحمل عليه بتمام الشبع مرة واحدة. إن كان البدن منهم سهل التعرق معتاداً له عرّق في الأحيان، وإن لم يكن تأخير غذائه يصب مرارأ إلى معدته، أخر إلى ما بعد الحمام، وإلا قُدمَ عليه. والوقت المعتدل إن لم يكن مانع هو بعد الرابعة من ساعات النهار المستوي، وإن أوجب انصباب المرار إلى معدته ما قلناه من تقديم الطعام، ثم أحس بعلامات سدد في الكبد عولج بالمفتّحات المذكورة الملائمة لمزاجه، وإن وجد لذلك ضرراً في رأسه تداركه بالمشي، فإن فسد طعامه في المعدة فإنحدر بنفسه فذلك غنيمة، وإلا أحدره بالكموني والتين المعجون بالقرطم المذكور صفته.
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
● [ الفصل الرابع : تسمين القضيف أقوى علل الهزال ] ●
كما سنصفه يبس المزاج والماساريقا ويبس الهواء، فإذا يبس الماساريقا لم يقبل الغذاء، فليداو اليبس والهزال بدلك قبل الحمام دلكاً بين الخشونة واللين إلى أن يحمر الجلد، ثم يصلب الدلك ثم يَطلى بطلاء الزفت، ثم يراض بالاعتدال، ثم يستحم بلا إبطاء وينشف بعد ذلك بمناديل يابسة، ثم يمرخ بدهن يسير، ثم يتناول الغذاء الموافق، فإن احتمل سنه وفصله وعادته الماء البارد صبه على نفسه. ومنتهى الدّلك المقدم على استعمال طلاء الزفت، هو أن لا يبتدىء الانتفاخ في الذبول، وهذا قريب مما قلناه في تعظيم العضو الصغير وتمام القول فيه يوجد في كتاب الزينة من الكتاب الرابع.
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
● [ الفصل الخامس : تقضيف السمين تدبيره إسراع ] ●
إحدار الطعام من معدته وأمعائه لئلا تستوفي الجداول مصها، واستعمال الطعام الكثير الكمية القليل التغذية ومواترة الاستحمام قبل الطعام والرياضة السريعة والأدهان المحللة. ومن المعاجين الإطريفل الصغير، ودواء الدلك والترياق، وشرب الخل مع المري على الريق وسنذكر تمامه في كتاب الزينة.
● [ تم التعليم الرابع وهو خمس فصول ] ●
بّسم اللّه الرّحمن الرّحيم
القانون فى الطب لإبن سينا
الكتاب الأول: الأمور الكلية فى علم الطب
الفن الثالث: الصحة والمرض وضرورة الموت
التعليم الخامس: الانتقالات وهو نهاية الفن الثالث
● [ جملة تدبير الفصول ] ●
أما الربيع فيبادر في أوائله بالفصد والإسهال بحسب المواجب والعادة، ويستعمل فيه خصوصاً القيء، ويهجر كل ما يسخن ويرطّب كثيراً من اللحوم والأشربة ويلطّف الغذاء، ويرتاض رياضة معتدلة فوق رياضة الصيف ولا يتملأ من الطعام، بل يفرّق ويستعمل الأشربة والربوب المطفئة ويهجر الحار وكلّ مرّ وحريف ومالح.
* وأما في الصيف فينقص من الأغذية والأشربة والرياضة ويلزم الهدوّ والدعة والمطفئات والقيء لمن أمكنه ويلزم الظل والكن.
* وأما في الخريف وخصوصاً في الخريف المختلف الهواء فيلزم أجود التدبير، ويهجر المجففات كلها، وليحذر الجماع وشرب الماء البارد كثيراً وضبه على الرأس، والنوم في الموضع البارد الذي يقشعرّ فيه البدن، ولا ينام على الامتلاء وليتوق حرّ الظهائر وبرد الغدوات، ويوقي رأسه ليلاً وغداة من البرد، وليحذر فيه الفواكه الوقتية والاستكثار منها، ولا يستحمّ إلا بفاتر، وإذا استوى فيه الليل والنهار استفرغ لئلا يحتقن في الشتاء فضول. على أن كثيراً من الأبدان، الأوفق لها في الخريف أن لا يشتغل بتدبير الأخلاط وتحريكها، بل يكون تسكينها أجدى عليها. وقد منعوا عن القيء في الخريف لأنجه يجلب الحمّى. وأما الشراب فيجب أن يستعمل فيه ما هو كثير المزاج من غير إسراف. واعلم أن كثرة المطر في الخريف أمان من شرّه.
* وأما في الشتاء فليكثر التعب وليبسط الغذاء إلا أن يكون جنوبياً، فحينئذ يجب أن يزاد في الرياضة ويقلل من الغذاء، ويجب أن تكون حنطة خبز الشتاء أقوى وأشد تلززاً من حنطة خبز الصيف. وكذلك القياس في اللحمان والمشوي ونحوه، وأن تكون بقوله مثل الكرنب والسلق والكرفس ليس القطف واليمانية والحمقاء والهندبا، وقلما يعرض لشيء من الأبدان الصحيحة مرض في الشتاء، فإن عرصْ فليبادر بالعلاج والإستفراغ إن أوجبه، فإنه لم يكن ليعرض فيه مرض، إلا والسبب عظيم خصوصاً إن كان حاراً لأن الحرارة الغريزية وهي المدبرة تقوى جداً في الشتاء بما يسلم من التحلّل، ويجتمع بالاحتقان، وجميع القوى الطبيعية تفعل فعلها بجودة. وأبقراط يستصلح فيه الإسعال دون الفصد ويكره فيه القيء ويستصوبه في الصيف، لأن الأخلاط في الصيف طافئة، وفي الشتاء مائلة إلى الرسوب، فليقتد به. وأما الهواء إذا فسد ووبىء، فيجب أن يتلقى بتجفيف البدن وتعديل المسكن بالأشياء التي تبرد وترطب بقوتها، وهو الأوجب في الوباء أو تسخن وتفعل ضد موجب فساد الهواء. والروائح الطيبة أنفع شيء فيه وخصوصاً إذا روعي بها مضادة المزاج. وفي الوباء يجب أن تقلل الحاجة إلى استنشاق الهواء الكثير، وذلك بالتوزيع والترويح، وكثيراً ما يكون فساد الهواء عن الأرض فيجب حينئذ أن يجلس على الأسرة ويطلب المساكن العالية جداً ومخترقات الرياح وكثيراً ما يكون مبدأ الفساد من الهواء نفسه لما انتقل إليه من فساد الأهوية المجاورة أو لأمر سماوي خفي على الناس كيفيته، فيجب في مثله أن يلتجأ إلى الأسراب والبيوت المحفوفة من جهاتها بالجدران وإلى المخادع وأما البخورات المصلحة لعفونة الأهوية فالسعد والكندر والآس والورد والصندل واستعمال الخل في الوباء أمان من آفاته. وسنذكر في الكتب الجزئية تتمة ما يجب أن يقال في هذا الباب.
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
● [ جملة تدبير المسافرين ] ●
الفصل الأول : تدارك أعراض تنذر بأمراض
من حدث به خفقان دائم فليدبر أمره كيلا يموت فجأة، وإذا أكثر الكابوس والدوار، فليدبر أمره باستفراغ الخلط الغليظ كيلا يقع صاحبه في الصرع والسكتة، وإذا كثر الاختلاج في البدن فليدبر أمره باستفراغ البلغم، كيلا يقع صاحبه في التشنج والسكتة، وكذلك إن طالت كدورة الحواس وضعف الحركات مع امتلاء. وإذا خدرت الأعضاء كلها كثيراً، فليدبر أمره باستفراغ البلغم كيلا يقع صاحبه في الفالج. وإذا اختلج الوجه كثيراً فليدبر أمره بتنقية الدماغ كيلا يؤدي إلى اللقوة. وإذا احمر الوجه والعين كثيراً وأخذت الدموع تسيل ويفرعن الضوء وكان صداع، فليدبر أمره بالفصد والإسهال ونحوه كيلا يقع صاحبه في السرسام، وإذا كثر الغم بلا سبب وأكثر الخوف، فليدبر أمره بالاستفراغ للخلط المحترق كيلا يقع صاحبه في المالنخوليا . وأيضاً فإن الوجه إذا احمر وانتفخ وضرب إلى كمودة ودام ذلك أنذر بجذام، وإذا ثقل البدن وكل ودرت العروق، فليفصد كيلا يعرض انفراز عرق وسكتة وموت فجأة. وإذا فشا التهيج في الوجه والأجفان والأطراف فليتدارك حال الكبد لئلا يقع صاحبه في الاستسقاء. وإذا اشتد نتن البراز دُبر بإزاله العفونة عن العروق لئلا يقع صاحبه في الحميات، ودلالة البول أشد في ذلك. وإذا رأيت إعياء وتكسراً فاحدس حمّى تكون، وإذا سقطت شهوة الطعام أو زادت دل على مرض. وبالجملة فإن كل شيء إذا تغير عن عادته في شهوة أو براز أو بول أو شهوة جماع أو نوم أو عرق أو جفاف بدن أو حدة ذهن أو طعم أو ذوق أو عادة احتلام فصار أقل أو أكثر أو تغيرت كيفيته أنذر بمرض. وكذلك العادات الغير الطبيعية مثل بواسير أو طمث أو قيء أو رعاف أوعادة شهوة شيء كان فاسداً أو غير فاصد، فإن العادة كالطبيعة. ولذلك لا يترك الرديء جداً منها ويترك بتدريج وقد تدل أمور جزئية على أمور جزئية، فإن دوام الصداع والشقيقة تنذر بالانتشار ونزول الماء في العين وتخيل العين قدام الوجه كالبق وغيره إذا ثبت ورسخ وجعل البصريضعف معه، أنذر بننزول الماء في العين.
والثقل والوجع قي الجانب الأيمن إذا طال دل على علة في الكبد. والثقل والتمدد في أسفل الظهر والخاصرة مع تغير حال البول عن العادة ينذر بعلة في الكلى.
والبراز العادم للصبغ فوق العادة ينذر بيرقان. وءاذا طال حرق البول أنذر بقروح تحدث في المثانة والقضيب.
والإسهال المحرق للعقدة ينذربالسحج وسقوط الشهوة مع القيء والنقخ. والوجع قي الأطراف وينذر بالقولنج. والحكاك في المعدة إن لم يكن ديدان صغار بها ينذر بالبواسير.
وكثرة خروج الدماميل والسلع ينفر بدبيلة كثيرة تحدث. والقوباء ينذر بالبرص الأسود. والبهق الأبيض ينذر بالبرص الأبيض.
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
● [ الفصل الثاني : قول كلي في تدبير المسافر ] ●
إن المسافر قد ينقطع عن أشياء كان يعتادها وهو في أهله، وقد يصيبه تعب ووصب، فيجب أن يحرص على مداواة أمر نفسه لئلا تصيبه أمراض كثيرة وأكثر ما يجب أن يتعهد به نفسه، أمر الغذاء وأمر الأعياء، فيجب أن يصلح غذاءه ويجعله جيد الجوهر قريب القدر غير كثيره حتى يجود هضمه ولا تجتمع الفضول في عروقه. ويجب أن لا يركب ممتلئاً لئلا يفسد طعامه ويحتاج إلى أن يشرب الماء فيزداد تخضخضاً ويتقيأ وينبسط، بل يجب أن يؤخر الغذاء إلى وقت النزول إلا أن يستدعيه سبب مما سنقوله بعد، فإن لم يجد بداً تناول قدراً قليلاً على سبيل التلهي بحيث لا يحوجه إلى شرب الماء ليلاً كان سيره أو نهاراً. ويجب أن يدبر إعياءه بما قيل في باب الإعياء ويجب أن لا يسافر ممتلئاً من دم أو غيره بل ينقي بدنه، ثم يسافر. وإن كان منتخماً جاع ونام وحل التخمة ثم يسافر.
ومن الواجب على المسافر أن يتدرج ويرتاض يسيراً أكثر من العادة، وإن كان يحتاج
إلى سهر يعانيه في طريقه، اعتاد السهر قليلاً قليلاً، وكذلك إن كان يخمن أنه سيعرض له جوع أو عطش أو غير ذلك فيجب أن يعتاده، وليتعود من الغذاء الذي يريد أن يغتذي به في سفره. وليجعل غذاءه قليل الكم كثير التغذية، وليهجر البقول والفواكه وكل ما يولّد خلطاً مائياً إلا لضرورة التعالج به كما نحدده فيما يستقبل، وربما اضطر المسافر أن يتهيأ له الصبر على الجوع إلى أن تقل منه الشهوة. ومما يعينه على ذلك الأطعمة المتخذة من الأكباد المشوية ونحوها، وربما اتخذ منها كبب مع لزوجات وشحوم مذابةٍ قوية ولوز ودهن لوز والشحوم مثل البقر، فإذا تناول منها واحدة صبرعلى الجوع زماناً له قدر.
وقيل: لو أن إنساناً شرب قدر رطل من دهن البنفسج، وقد أذاب فية شياً من الشمع حتى صار قيروطياً لم يشته الطعام عشرة أيام، وكذلك ربما احتاجوا إلى أن يتهيأ لهم الصبر على العطش، فيجب أن يكون معهم الأدوية المسكنة للعطش التي بيناها في الكتاب الثالث في باب العطش، وخصوصاً بزر البقلة الحمقاء يشرب منه ثلاثة دراهم بالخل، ويهجر الأغذية المعطشة مثل السمك والكبر والمملحات والحلاوات، ويقل الكلام ويرفق باليسير، وإذا شرب الماء بالخل كان القليل منه كافياً في تسكين العطش حيث لا يوجد ماء كثير، وكذلك شرب لعاب بزر القطونا.
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
● [ الفصل الثالث : توقي الحر ] ●
وخصوصاً في السفر وتدبير من يسافر فيه
إذا لم يدبروا أنفسهم تأذى بهم الأمر في آخره إلى أن يضعفوا، وتتحلّل قواهم حتى لا يمكنهم أن يتحركوا ويغلب عليهم العطش، وربما أضرت الشمس بأدمغتهم، فلذلك يجب أن يحرصوا على ستر الرأس عن الشمس ستراً شديداً. وكذلك يجب أن يحفظ المسافر منها صدره ويطليه بمثل لعاب بزر قطونا وعصارة البقلة الحمقاء. والمسافرون في الحر ربما احتاجوا إلى شيء يتناولونه قبل السير مثل سويق الشعير وشراب الفواكه وغير ذلك، فإنهم إذا ركبوا ولا شيء في أحشائهم، بالغ التحليل في إضعافهم، وإذ لا يكون لهم فيه بدل، فيجب أن يتناولوا مما ذكرنا شياً، ثم يلبثوا حتى ينحدر عن المعدة ولا يتخضخض. ويجب أن يصحبهم في الطريق دهن الورد والبنفسج يستعملون منهما ساعة بعد ساعة على هامهم. وكثير ممن تصيبهم آفة من السفر في الحر يعود إلى حاله بسباحة في ماء بارد، ولكن الأصوب أن لا يستعجل بل يصبر يسيراً ثم يتدرج إليه. ومن خاف السموم، فالواجب عليه أن يعصب منخره وفمه بعمامة ولثام ويصبر على المشقة فيه، وليقدم قبله أكل البصل في الدوغ ، وخصوصاً إذا كان البصل مربى فيه، أو منقوعاً فيه ليلة تأكل البصل، ويتحسى الدوغ. ويجب أن يكون البصل قبل الإلقاء في الدوغ بصلاً قوي التقطيع، وليكن التنشق بدهن الورد ودهن حب القرع، ويتحسّى دهن القرع، فإنه مما يدفع مضرة السموم المتوقعه. وإذا ضربه السموم سكب على أطرافه ماء بارد أو غسل به وجهه ويجعل غذاءه من البقول الباردة، ويضع على رأسه الأدهان الباردة مثل دهن الورد والعصارات الباردة مثل عصارة حي العالم، ودهن الخلاف، ثم يغتسل، وليحذر الجماع. والسمك المالح ينفعه إذا سكن ما به. والشراب الممزوج أيضاً ينفعه، واللبن من أجود الغذاء له إن لم يكن به حمى، فإن كان به حمى ليست من الحميات العفنة بل اليومية استعمل الدوغ الحامض. وإذا عطش على النوم تجزى بالمضمضة ولم يشرب ريه فإنه حينئذ يموت على المكان، بل يجب أن يتجزى بالمضمضة وأن لم يجد بدا من أن يشرب، يشرب جرعة بعد جرعة، فإذا سكن ما به وسكن الهائج من عطشه شرب، وإن بدأ أولأ قبل شربه فشرب دهن ورد وماء ممزوجين، ثم شرب الماء، كان أصوب. وبالجملة فإن مضروب الحرّ يجب أن يجعل مجلسه موضعاً بارداً ويغسل رجله بالماء البارد، وإن كان عطشان شرب البارد قليلاً قليلاً ويغتذي بشيء سريع الانهضام.
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
● [ الفصل الرابع : تدبير من يسافر في البرد ] ●
إن السفر في البرد الشديد عظيم الخطر مع الاستظهار بالعدد والأهب ، فكيف مع ترك الاستظهار، فكم من مسافر متدثّر بكل ما يمكن قد قتله البرد والدمق بتشنج وكزاز وجمود وسكتة، ومات موت من شرب الأفيون واليبروح، فإن لم يبلغ حالهم إلى الموت، فكثيراً ما يقعون في الجوع المسمى بوليموس . وقد ذكرنا ما يجب أن يعمل فيه وفي الأمراض الآخرى في موضعه. وأولى الأشياء بهم أن يسدوا المسام، ويحفظوا الأنف والفم من أن يدخلها هواء بارد بغتة ويحفظوا الأطراف بما سنذكره. واذا نزل المسافر في البرد، فلا يجب أن يدفىء نفسه في الحال، بل يتدرج يسيراً يسيراً في دفء، ويجب أن لا يستعجل إلى الصلاء ، بل أن لا يقربه أحسن وإن كان لم يجد بدًا تدرج إلى ذلك. وأولى الأوقات به أن يجتنبه فيه إذا كان من عزمه أن يسير في الوقت، ويخرج إلى البرد، هذا ما لم يبلغ البرد من المسافر مبلغ الإيهان وإسقاط القوة. وأما إذا عمل فيه الخصر فلا بد من استعجال التدفي والتمرخ بالأدهان المسخنة خصوصاً ما فيه ترياقية كدهن السوسن.
وإذا نزل المسافر في البرد وهو جائع فتناول شياً حاراً، عرض به حرارة كالحمى عجيبة. وللمسافرين أغذية تسهل عليهم أمر البرد، وهي الأغذية التي يكثر فيها الثوم والجوز والخردل والحلتيت، وربما وقع فيها المصل ليطيّب الثوم والجوز، والسمن أيضاً جيد لهم، وخصوصاً إذا شربوا عليها الشراب الصرف. ويحتاج المسافر في البرد إلى أن لا يسافر خاوياً، بل يمتلىء من غذائه ويشرب الشراب بدل الماء، ثم يصبر حتى يقر ذلك في بطنه ويسخن ثم يركب. والحلتيت مما يسخن الجامد في البرد خصوصاً إذا سلم في الشراب. والشربة التامة درهم من الحلتيت في رطل من الشراب. وللمسافر في البرد مسوحات تمنع بدنه عن التأثر من البرد، منها الزيت وغير ذلك. والثوم من أفضل الأشياء لمن برد عن هواء بارد، وإن كان يضر بالدماغ والقوى النفسانية.
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
● [ الفصل الخامس : حفظ الأطراف عن ضرر البرد ] ●
يجب أن يدلكها المسافر أولاً حتى تسخن، ثم يطليها بدهن حار من الأدهان العطرة مثل دهن السوسن ودهن البان والميسوسن لطوخ جيّد لهم، فإن لم يحضر فالزيت، وخصوصاً إذا جعل فيه الفلفل والعاقر قرحا، أو الفربيون والحلتيت أو الجندبادستر ومن الأضمدة الحافظة للأطراف أن يجعل عليها قنة وثوم، فإنه أمان ولا كالقطران. ولا يجوز أن يكون الخف والدستبانج بحيث لا يتحرّك فيه العضو. فإن حركة العضو أحد الأسباب الدافعة عنه البرد والعضو المخنوق يصيبه البرد بشدّة، وإذا غشي بكاغد وشعر أو وبر كان أوقى له، وإذا صارت الرجل مثلاً أو اليد لا تحس بالبرد من غير أن يخص البرد ومن غير أن يزيد وقايته بتدبير جديد، فاعلم أن الحس في طريق البطلان، وأن البرد قد عمل فيه، فليدبر مما تعلمه الان.
وأما إذا عمل البرد في العضو، فأمات الحار الغريزي الذي كان فيه، وحقن ما كان يتحلل منه في جوهره، وعرضه للعفونة، فربما احتيج أن يفعل في بابه ما قيل في باب القروح، وخصوصاً الأكَالة الخبيثة. وأما إذا ضربه البرد ولم يعفن بعد بل هو في سبيله، فالأصوب أن يوضع الطرف في ماء الثلج خاصة، أو ماء طبخ فيه التين. وماء الكرنب ومأء الرياحين وماء الشبت وماء البابونج كله جيّد. والتردوغ لطوخ جيّد. وماء الشيح وماء الفودنج وماء النمام والتضميد بالسلجم دواء جيد نافع له. ويجب أن يجنب النار وقربها، ويجب في الحال أن يمشي ويحرك الرجل والطرف، فيروضه ويدلكه، ثم يمرخه ويطليه وينطله بما قلناه. وليعلم أن ترك الأطراف متعلقة ساكنة في البرد لا تحرك ولا تراض، هو من أقوى الأسباب الممكنة للبرد من الطرف. ومن الناس من يغمسه في ماء بارد فيجد لذلك منفعة كأن الأذى يندفع عنه، كما يعرض للفاكهة الجامدة أن تلقى في الماء البارد. فيكون كأنه يخرج الجمد عنها وينتسج عليها فتلين وتستوى، ولو أنها قربت من النار فسدت. وأما كيف هذا فهو مما لا يحتاج إليه الطبيب. فأما إذا أخذ الطرف يكمد، فيجب أن يشرط ويسيل منه الدم والعضو موضوع في الماء الحار لئلا يجمد شيء من الدم في فوهات الشرط، فلا يخرج بل يترك حتى يحتبس من نفسه، ثم يطلى بالطين الأرمني والخل الممزوج، فإن ذلك يمنع فساده. والقطران ينفع بدءاً وأخيراً، وإذا جاوز الأمر السواد والخضرة وأدرك وهو يتعفن، فلا يشتغل بغير إسقاط ما يعفن بعجلة لئلا يعفن أيضاً الصحيح الذي في الجوار وكيلا تدب العفونة، بل يفعل ما قلناه في بابه.
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
● [ الفصل السادس : حفظ اللون في السفر ] ●
يجب أن يطلى الوجه بالأشياء اللزجة والتي فيها تغريه مثل لعاب بزر قطونا ومثل لعاب العرفج ومثل الكثيراء المحلول في الماء والصمغ المحلول في الماء ومثل بياض البيض ومثل الكعك السميذ المنقوع في الماء وقرص وصفة قريطن، وأما إذا شققه ريح أو برد أو شمس، فاطلب تدبيره من الكلام في الزينة.
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
●[ الفصل السابع : توقي المسافر مضرة المياه المختلفة ]●
إن اختلاف المياه قد يوقع المسافر في أمراض أكثر من اختلاف الأغذية، فيجب أن يراعى ذلك بتدارك أمر الماء. ومن تداركه كثرة ترويقه وكثرة استرشاحه من الخزف الرشاح وطبخه، كما قد بينا العلة فيه قد يصفيه ويفرّق بين جوهر الماء الصرف وبين ما يخالطه وأبلغ من ذلك كله تقطيره بالتصعيد، وربما فتلت فتيلة من صوف وجعل منها فى أحد الإناءين وهو المملوء طرف وترك طرفها الآخر في الإناء الخالي، فقطر الماء الخاليّ وكان ضرباً جيداً من الترويق، وخصوصاً إذا كرر، وكذلك إذا طبخ الماء المر والرديء وطرح فيه وهو يغلي طين حر وكباب صوف، ثم تؤخذ وتعصر، فإنها تعصر عن ماء خير من الأوَّل، وكذلك محض الماء وقد جعل فيه طين حر لا كيفية رديئة له، وخصوصاً المحترق في الشمس، ثم يصقيه وهو مما يكسر فساده. وشرب الماء مع الشراب أيضاً مما يدفع فساده إذا كان فساده من جنس قلة النفوذ، وأيضاً فإن الماء إذا قل ولم يوجد، فيجب أن يشرب ممزوجاً بالخل وخصوصاً في الصيف، فإن ذلك يغني عن الاستكثار. والماء المالح يجب أن يشرب بالخل أو السكنجبين، ويجب أن يلقي فيه الخرنوب وحب الآس والزعرور.
والماء الشبي العفص يجب أن يشرب عليه كل ما يلين الطبيعة. والشراب أيضاً مما ينفع شربه عليه، والماء المر يستعمل عليه الدسومات والحلاوات ويمزج بالجلاب. وشرب ماء الحمص قبله وقبل ما يشبهه مما يدفع ضرره، وكذلك أكل الحمص والماء القائم الآجامي الذدي يصحبه عفونة، فيجب أن لا يطعم فيه الأغذية الحارة، وأن يستعمل القوابض من الفواكه الباردة والبقول مثل السفرجل والتفاح والريباس. والمياه الغليظة الكدرة يتناول عليها الثوم، ومما يصفيها الشب اليماني، ومما يدفع فساد المياه المختلفة البصل، فإنه ترياق لذلك، وخصوصاً البصل بالخل والثوم أيضاً. ومن الأشياء الباردة الخس، ومن التدبير الجيد لمن ينتقل في المياه المختلفة أن يستصحب من ماء بلده، فيمزج به الماء الذي يليه، ويأخذ من ماء كل منزل للمنزل الذي يليه فيمزجه بمائه، وكذلك يفعل حتى يبلغ مقصده. وكذلك إن استصحب طين بلده وخلطه بكل ما يطرأ عليه وخضخضه فيه، ثم تركه حتى يصفو. ويجب أن يشرب الماء من وراء فدام لئلاّ يجرع العلق بالغلط ولا يزدرد البشم من الأخلاط الرديئة. واستصحاب الربوب الحامضة لتمج بكل ماء من المختلفة تدبير جيّد.
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
● [ الفصل الثامن : تدبير راكب البحر ] ●
قد يعرض لراكب البحر أن يدور ويدار به، وأن يهيج به الغثيان والقيء، وذلك في أوائل الأيام، ثم يهدأ فيسكن ويجب أن يلح على غثيانه وقيئه بالحبس بل يترك حتى يقيء، فإن أفرط فيه حبس حينئذ. وأما الاستعداد لئلا يعرض له القيء فليس به بأس وذلك بأن يتناول من الفواكه مثل السفرجل والتفاح والرمّان، وإذا شرب بزر الكرفسر منع الغثيان أن يهيج به وسكنه إذا هاج. والأفستين أيضاً كذلك، ومما يمنعه أن يغتذي بالحموضات المقوية لفم المعدة المانعة من ارتفاع البخار إلى الرأس، وذلك كالعدس بالخل وبالحصرم وقليل فودنج أو حاشا ، أو الخبز المبرد في شراب ريحاني، أو ماء بارد، وقد يقع فيه حاشا، ويجب أن يمسح داخل الأنفس بالاسفيداج.
● [ تم التعليم الخامس وهو ثمان فصول ] ●
تم الفن الثالث : الصحة والمرض وضرورة الموت
القانون فى الطب لإبن سينا
الكتاب الأول: الأمور الكلية فى علم الطب
منتدى حُكماء رُحماء الطبى . البوابة
بّسم اللّه الرّحمن الرّحيم
القانون فى الطب لإبن سينا
الكتاب الأول: الأمور الكلية فى علم الطب
الفن الثالث: الصحة والمرض وضرورة الموت
التعليم الرابع : تدبير بدن من مزاجه فاضل
● [ الفصل الأول : استصلاح المزاج الأزيد حرارة ] ●
نقول: إن سوء المزاج الحار، إما أن يكون مع اعتدال من المنفعلين أو غلبة يبوسة أو رطوبة، وإذا اعتدلت المنفعلتان عرفنا أن زيادة الحرارة إلى حد وليست بمفرطة، وإلا لجففت. وأما الحار مع اليبوسة، فيجوز أن يبقى هذا المزاج بحاله مدة طويلة. وأما الحار مع الرطوبة، فإن اجتماعهما لا يطول، فتارة تغلب الرطوبة الحرارة فتطفئها، وتارة تغلب الحرارة الرطوبة فتجففها.
فإن غلبت الرطوبة، فإن صاحبها يصلح حاله عند المنتهى في الشباب ويصير معتدلاً فيهما. فإذا انحط أخذت الرطوبة الغريبة تزداد والحرارة تنقص.
فنقول: إن جملة تدبير حارّي المزاج منحصرة في غرضين: أحدهما: أن نردهم إلى الاعتدال، والثاني: أن نستحفظ صحتهم على ما هي عليه.
أما الأول، فإنما يتيسر للوادعين المكفيين الموطنين أنفسهم على صبر طويل مدة رجوعهم بالتدريج إلى الاعتدال، لأن من يردّهم من غير تدريج يمرض أبدانهم.
وأما الثاني، فإنما يمكن تدبيرهم بأغذية تشاكل مزاجهم حتى تحفظ الصحة الموجودة لهم، فمن كان من حاري المزاج معتدلاً في المنفعلتين كانوا أدنى إلى الصحة في ابتداء أمرهم، وكان مزاجهم أسرع لنبات أسنانهم وشعورهم، وكانوا ذوي بيان ولسن وسرعة في المشي. ثم إذا أفرط عليهم الحر وزاد اليبس، حدث لهم مزاج لذاع. وكثير منهم يتولد فيهم المرار كثيراً، وتدبيرهم في السن الأول هو تدبير المعتدلين، فإذا انتقلوا نقلوا إلى تدبير من يرام إدرار بوله واستفراغ مراره، ومن الجهة التي تميل إليها فضولهم جهتي الإسهال أو القيء.
وإذا لم تف الطبيعة بإمالة الخلط إلى الاستفراغ أعينت بأشياء خفية.
أما القيء فبمثل شرب الماء الحار الكثير وحده أو مع النبذ، وأما الإسهال فمثل البنفسج المربى والتمر الهندي والشيرخشك والترنجبين. ويجب أن تخفف رياضتهم وأن يغذوا بغذاء حسن الكيموس، وربما وجب أن يثلثوا الاستحمام في اليوم، ويجب أن يجنبوا كل سبب مسخن. وإن لم يورثهم الاستحمام عقيب الطعام تمدداً أو تعقداً في ناحية الكبد والبطن، استعملوه على أمن. وأما إن عرض شيء من ذلك، فعليهم باستعمال المفتحات مثل نقيع الأفسنتين وداء الصبر والأنيسون واللوز المر والسكنجبين، ويمنعوا عن الإستحمام بعد الطعام. ويجب أن يسقوا هذه المفتحات بعد انهضام الطعام الأوّل وقبل أخذهم الطعام الثاني، بل في وقت بينهم فيه وبين أخذ الطعام الثاني فسحة مدّة وذلك ما بين انتباههم بالغدوات واستحمامهم وينبغي أن يديموا التمريخ بالدهن ويسقوا الشراب الأبيض الرقيق وينفعهم الماء البارد.
وأصحاب المزاج اليابس الحار في أول الأمر أولى بذلك كله.
وأما أصحاب المزاج الحار الرطب فهم بعرض العفونة وانصباب المواد إلى الأعضاء، فلتكن رياضتهم كثيرة التحليل لينة لئلا يسخن مع توق من حركة تظهر في الأخلاط بثوراً. وأكثر ما يجب أن يجتنب الرياضة منهم من لم يعتدها والأصوب أن يرتاضوا بعد الاستفراغ، وأن يستحموا قبل الطعام،وأن يعنوا بنفض الفضول كلها وإذا دخلوا في الربيع احتاطوا بالفصد والاستفراغ.
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
● [ الفصل الثاني : استصلاح المزاج الأزيد برودة ] ●
أصناف هؤلاه ثلاثة فمن كان منهم معتدل المنفعلتين، فليقصد قصد إنهاض حرارة بأغذية حارة متوسطة في الرطوبة واليبس وبالأدهان المسخنة والمعاجين الكبار والاستفراغات الخاصة بالرطوبات والاستحمامات المعرفة والرياضات الصالحة، فإنهم وإن كانوا معتدلي الرطوبة في وقت، فهم بعرض تولد الرطوبات فيهم لمكان البرد، وأما الذين بهم مع ذلك يبس، فإن تدبيرهم هو بعينه تدبير المشايخ.
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
● [ الفصل الثالث : تدبير الأبدان السريعة القبول ] ●
هؤلاء إنما يستعدون لذلك، إما لامتلائهم، فلتعدل منهم كمية الأخلاط، وإما لأخلاط نيئة فيهم فلتعدل كيفيتها. وليختر لهم من الأغذية ما يغذو غذاء وسطاً بين القليل والكثير. وتعديل كمية الأخلاط هو بتعديل مقدار الغذاء، وزيادة الرياضة والدلك فبل الاستحمام إن كانا معتادين، وبالأخف منهما إن لم يكونا معتادين، وأن يوزع عليه التغدية ولا يحمل عليه بتمام الشبع مرة واحدة. إن كان البدن منهم سهل التعرق معتاداً له عرّق في الأحيان، وإن لم يكن تأخير غذائه يصب مرارأ إلى معدته، أخر إلى ما بعد الحمام، وإلا قُدمَ عليه. والوقت المعتدل إن لم يكن مانع هو بعد الرابعة من ساعات النهار المستوي، وإن أوجب انصباب المرار إلى معدته ما قلناه من تقديم الطعام، ثم أحس بعلامات سدد في الكبد عولج بالمفتّحات المذكورة الملائمة لمزاجه، وإن وجد لذلك ضرراً في رأسه تداركه بالمشي، فإن فسد طعامه في المعدة فإنحدر بنفسه فذلك غنيمة، وإلا أحدره بالكموني والتين المعجون بالقرطم المذكور صفته.
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
● [ الفصل الرابع : تسمين القضيف أقوى علل الهزال ] ●
كما سنصفه يبس المزاج والماساريقا ويبس الهواء، فإذا يبس الماساريقا لم يقبل الغذاء، فليداو اليبس والهزال بدلك قبل الحمام دلكاً بين الخشونة واللين إلى أن يحمر الجلد، ثم يصلب الدلك ثم يَطلى بطلاء الزفت، ثم يراض بالاعتدال، ثم يستحم بلا إبطاء وينشف بعد ذلك بمناديل يابسة، ثم يمرخ بدهن يسير، ثم يتناول الغذاء الموافق، فإن احتمل سنه وفصله وعادته الماء البارد صبه على نفسه. ومنتهى الدّلك المقدم على استعمال طلاء الزفت، هو أن لا يبتدىء الانتفاخ في الذبول، وهذا قريب مما قلناه في تعظيم العضو الصغير وتمام القول فيه يوجد في كتاب الزينة من الكتاب الرابع.
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
● [ الفصل الخامس : تقضيف السمين تدبيره إسراع ] ●
إحدار الطعام من معدته وأمعائه لئلا تستوفي الجداول مصها، واستعمال الطعام الكثير الكمية القليل التغذية ومواترة الاستحمام قبل الطعام والرياضة السريعة والأدهان المحللة. ومن المعاجين الإطريفل الصغير، ودواء الدلك والترياق، وشرب الخل مع المري على الريق وسنذكر تمامه في كتاب الزينة.
● [ تم التعليم الرابع وهو خمس فصول ] ●
بّسم اللّه الرّحمن الرّحيم
القانون فى الطب لإبن سينا
الكتاب الأول: الأمور الكلية فى علم الطب
الفن الثالث: الصحة والمرض وضرورة الموت
التعليم الخامس: الانتقالات وهو نهاية الفن الثالث
● [ جملة تدبير الفصول ] ●
أما الربيع فيبادر في أوائله بالفصد والإسهال بحسب المواجب والعادة، ويستعمل فيه خصوصاً القيء، ويهجر كل ما يسخن ويرطّب كثيراً من اللحوم والأشربة ويلطّف الغذاء، ويرتاض رياضة معتدلة فوق رياضة الصيف ولا يتملأ من الطعام، بل يفرّق ويستعمل الأشربة والربوب المطفئة ويهجر الحار وكلّ مرّ وحريف ومالح.
* وأما في الصيف فينقص من الأغذية والأشربة والرياضة ويلزم الهدوّ والدعة والمطفئات والقيء لمن أمكنه ويلزم الظل والكن.
* وأما في الخريف وخصوصاً في الخريف المختلف الهواء فيلزم أجود التدبير، ويهجر المجففات كلها، وليحذر الجماع وشرب الماء البارد كثيراً وضبه على الرأس، والنوم في الموضع البارد الذي يقشعرّ فيه البدن، ولا ينام على الامتلاء وليتوق حرّ الظهائر وبرد الغدوات، ويوقي رأسه ليلاً وغداة من البرد، وليحذر فيه الفواكه الوقتية والاستكثار منها، ولا يستحمّ إلا بفاتر، وإذا استوى فيه الليل والنهار استفرغ لئلا يحتقن في الشتاء فضول. على أن كثيراً من الأبدان، الأوفق لها في الخريف أن لا يشتغل بتدبير الأخلاط وتحريكها، بل يكون تسكينها أجدى عليها. وقد منعوا عن القيء في الخريف لأنجه يجلب الحمّى. وأما الشراب فيجب أن يستعمل فيه ما هو كثير المزاج من غير إسراف. واعلم أن كثرة المطر في الخريف أمان من شرّه.
* وأما في الشتاء فليكثر التعب وليبسط الغذاء إلا أن يكون جنوبياً، فحينئذ يجب أن يزاد في الرياضة ويقلل من الغذاء، ويجب أن تكون حنطة خبز الشتاء أقوى وأشد تلززاً من حنطة خبز الصيف. وكذلك القياس في اللحمان والمشوي ونحوه، وأن تكون بقوله مثل الكرنب والسلق والكرفس ليس القطف واليمانية والحمقاء والهندبا، وقلما يعرض لشيء من الأبدان الصحيحة مرض في الشتاء، فإن عرصْ فليبادر بالعلاج والإستفراغ إن أوجبه، فإنه لم يكن ليعرض فيه مرض، إلا والسبب عظيم خصوصاً إن كان حاراً لأن الحرارة الغريزية وهي المدبرة تقوى جداً في الشتاء بما يسلم من التحلّل، ويجتمع بالاحتقان، وجميع القوى الطبيعية تفعل فعلها بجودة. وأبقراط يستصلح فيه الإسعال دون الفصد ويكره فيه القيء ويستصوبه في الصيف، لأن الأخلاط في الصيف طافئة، وفي الشتاء مائلة إلى الرسوب، فليقتد به. وأما الهواء إذا فسد ووبىء، فيجب أن يتلقى بتجفيف البدن وتعديل المسكن بالأشياء التي تبرد وترطب بقوتها، وهو الأوجب في الوباء أو تسخن وتفعل ضد موجب فساد الهواء. والروائح الطيبة أنفع شيء فيه وخصوصاً إذا روعي بها مضادة المزاج. وفي الوباء يجب أن تقلل الحاجة إلى استنشاق الهواء الكثير، وذلك بالتوزيع والترويح، وكثيراً ما يكون فساد الهواء عن الأرض فيجب حينئذ أن يجلس على الأسرة ويطلب المساكن العالية جداً ومخترقات الرياح وكثيراً ما يكون مبدأ الفساد من الهواء نفسه لما انتقل إليه من فساد الأهوية المجاورة أو لأمر سماوي خفي على الناس كيفيته، فيجب في مثله أن يلتجأ إلى الأسراب والبيوت المحفوفة من جهاتها بالجدران وإلى المخادع وأما البخورات المصلحة لعفونة الأهوية فالسعد والكندر والآس والورد والصندل واستعمال الخل في الوباء أمان من آفاته. وسنذكر في الكتب الجزئية تتمة ما يجب أن يقال في هذا الباب.
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
● [ جملة تدبير المسافرين ] ●
الفصل الأول : تدارك أعراض تنذر بأمراض
من حدث به خفقان دائم فليدبر أمره كيلا يموت فجأة، وإذا أكثر الكابوس والدوار، فليدبر أمره باستفراغ الخلط الغليظ كيلا يقع صاحبه في الصرع والسكتة، وإذا كثر الاختلاج في البدن فليدبر أمره باستفراغ البلغم، كيلا يقع صاحبه في التشنج والسكتة، وكذلك إن طالت كدورة الحواس وضعف الحركات مع امتلاء. وإذا خدرت الأعضاء كلها كثيراً، فليدبر أمره باستفراغ البلغم كيلا يقع صاحبه في الفالج. وإذا اختلج الوجه كثيراً فليدبر أمره بتنقية الدماغ كيلا يؤدي إلى اللقوة. وإذا احمر الوجه والعين كثيراً وأخذت الدموع تسيل ويفرعن الضوء وكان صداع، فليدبر أمره بالفصد والإسهال ونحوه كيلا يقع صاحبه في السرسام، وإذا كثر الغم بلا سبب وأكثر الخوف، فليدبر أمره بالاستفراغ للخلط المحترق كيلا يقع صاحبه في المالنخوليا . وأيضاً فإن الوجه إذا احمر وانتفخ وضرب إلى كمودة ودام ذلك أنذر بجذام، وإذا ثقل البدن وكل ودرت العروق، فليفصد كيلا يعرض انفراز عرق وسكتة وموت فجأة. وإذا فشا التهيج في الوجه والأجفان والأطراف فليتدارك حال الكبد لئلا يقع صاحبه في الاستسقاء. وإذا اشتد نتن البراز دُبر بإزاله العفونة عن العروق لئلا يقع صاحبه في الحميات، ودلالة البول أشد في ذلك. وإذا رأيت إعياء وتكسراً فاحدس حمّى تكون، وإذا سقطت شهوة الطعام أو زادت دل على مرض. وبالجملة فإن كل شيء إذا تغير عن عادته في شهوة أو براز أو بول أو شهوة جماع أو نوم أو عرق أو جفاف بدن أو حدة ذهن أو طعم أو ذوق أو عادة احتلام فصار أقل أو أكثر أو تغيرت كيفيته أنذر بمرض. وكذلك العادات الغير الطبيعية مثل بواسير أو طمث أو قيء أو رعاف أوعادة شهوة شيء كان فاسداً أو غير فاصد، فإن العادة كالطبيعة. ولذلك لا يترك الرديء جداً منها ويترك بتدريج وقد تدل أمور جزئية على أمور جزئية، فإن دوام الصداع والشقيقة تنذر بالانتشار ونزول الماء في العين وتخيل العين قدام الوجه كالبق وغيره إذا ثبت ورسخ وجعل البصريضعف معه، أنذر بننزول الماء في العين.
والثقل والوجع قي الجانب الأيمن إذا طال دل على علة في الكبد. والثقل والتمدد في أسفل الظهر والخاصرة مع تغير حال البول عن العادة ينذر بعلة في الكلى.
والبراز العادم للصبغ فوق العادة ينذر بيرقان. وءاذا طال حرق البول أنذر بقروح تحدث في المثانة والقضيب.
والإسهال المحرق للعقدة ينذربالسحج وسقوط الشهوة مع القيء والنقخ. والوجع قي الأطراف وينذر بالقولنج. والحكاك في المعدة إن لم يكن ديدان صغار بها ينذر بالبواسير.
وكثرة خروج الدماميل والسلع ينفر بدبيلة كثيرة تحدث. والقوباء ينذر بالبرص الأسود. والبهق الأبيض ينذر بالبرص الأبيض.
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
● [ الفصل الثاني : قول كلي في تدبير المسافر ] ●
إن المسافر قد ينقطع عن أشياء كان يعتادها وهو في أهله، وقد يصيبه تعب ووصب، فيجب أن يحرص على مداواة أمر نفسه لئلا تصيبه أمراض كثيرة وأكثر ما يجب أن يتعهد به نفسه، أمر الغذاء وأمر الأعياء، فيجب أن يصلح غذاءه ويجعله جيد الجوهر قريب القدر غير كثيره حتى يجود هضمه ولا تجتمع الفضول في عروقه. ويجب أن لا يركب ممتلئاً لئلا يفسد طعامه ويحتاج إلى أن يشرب الماء فيزداد تخضخضاً ويتقيأ وينبسط، بل يجب أن يؤخر الغذاء إلى وقت النزول إلا أن يستدعيه سبب مما سنقوله بعد، فإن لم يجد بداً تناول قدراً قليلاً على سبيل التلهي بحيث لا يحوجه إلى شرب الماء ليلاً كان سيره أو نهاراً. ويجب أن يدبر إعياءه بما قيل في باب الإعياء ويجب أن لا يسافر ممتلئاً من دم أو غيره بل ينقي بدنه، ثم يسافر. وإن كان منتخماً جاع ونام وحل التخمة ثم يسافر.
ومن الواجب على المسافر أن يتدرج ويرتاض يسيراً أكثر من العادة، وإن كان يحتاج
إلى سهر يعانيه في طريقه، اعتاد السهر قليلاً قليلاً، وكذلك إن كان يخمن أنه سيعرض له جوع أو عطش أو غير ذلك فيجب أن يعتاده، وليتعود من الغذاء الذي يريد أن يغتذي به في سفره. وليجعل غذاءه قليل الكم كثير التغذية، وليهجر البقول والفواكه وكل ما يولّد خلطاً مائياً إلا لضرورة التعالج به كما نحدده فيما يستقبل، وربما اضطر المسافر أن يتهيأ له الصبر على الجوع إلى أن تقل منه الشهوة. ومما يعينه على ذلك الأطعمة المتخذة من الأكباد المشوية ونحوها، وربما اتخذ منها كبب مع لزوجات وشحوم مذابةٍ قوية ولوز ودهن لوز والشحوم مثل البقر، فإذا تناول منها واحدة صبرعلى الجوع زماناً له قدر.
وقيل: لو أن إنساناً شرب قدر رطل من دهن البنفسج، وقد أذاب فية شياً من الشمع حتى صار قيروطياً لم يشته الطعام عشرة أيام، وكذلك ربما احتاجوا إلى أن يتهيأ لهم الصبر على العطش، فيجب أن يكون معهم الأدوية المسكنة للعطش التي بيناها في الكتاب الثالث في باب العطش، وخصوصاً بزر البقلة الحمقاء يشرب منه ثلاثة دراهم بالخل، ويهجر الأغذية المعطشة مثل السمك والكبر والمملحات والحلاوات، ويقل الكلام ويرفق باليسير، وإذا شرب الماء بالخل كان القليل منه كافياً في تسكين العطش حيث لا يوجد ماء كثير، وكذلك شرب لعاب بزر القطونا.
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
● [ الفصل الثالث : توقي الحر ] ●
وخصوصاً في السفر وتدبير من يسافر فيه
إذا لم يدبروا أنفسهم تأذى بهم الأمر في آخره إلى أن يضعفوا، وتتحلّل قواهم حتى لا يمكنهم أن يتحركوا ويغلب عليهم العطش، وربما أضرت الشمس بأدمغتهم، فلذلك يجب أن يحرصوا على ستر الرأس عن الشمس ستراً شديداً. وكذلك يجب أن يحفظ المسافر منها صدره ويطليه بمثل لعاب بزر قطونا وعصارة البقلة الحمقاء. والمسافرون في الحر ربما احتاجوا إلى شيء يتناولونه قبل السير مثل سويق الشعير وشراب الفواكه وغير ذلك، فإنهم إذا ركبوا ولا شيء في أحشائهم، بالغ التحليل في إضعافهم، وإذ لا يكون لهم فيه بدل، فيجب أن يتناولوا مما ذكرنا شياً، ثم يلبثوا حتى ينحدر عن المعدة ولا يتخضخض. ويجب أن يصحبهم في الطريق دهن الورد والبنفسج يستعملون منهما ساعة بعد ساعة على هامهم. وكثير ممن تصيبهم آفة من السفر في الحر يعود إلى حاله بسباحة في ماء بارد، ولكن الأصوب أن لا يستعجل بل يصبر يسيراً ثم يتدرج إليه. ومن خاف السموم، فالواجب عليه أن يعصب منخره وفمه بعمامة ولثام ويصبر على المشقة فيه، وليقدم قبله أكل البصل في الدوغ ، وخصوصاً إذا كان البصل مربى فيه، أو منقوعاً فيه ليلة تأكل البصل، ويتحسى الدوغ. ويجب أن يكون البصل قبل الإلقاء في الدوغ بصلاً قوي التقطيع، وليكن التنشق بدهن الورد ودهن حب القرع، ويتحسّى دهن القرع، فإنه مما يدفع مضرة السموم المتوقعه. وإذا ضربه السموم سكب على أطرافه ماء بارد أو غسل به وجهه ويجعل غذاءه من البقول الباردة، ويضع على رأسه الأدهان الباردة مثل دهن الورد والعصارات الباردة مثل عصارة حي العالم، ودهن الخلاف، ثم يغتسل، وليحذر الجماع. والسمك المالح ينفعه إذا سكن ما به. والشراب الممزوج أيضاً ينفعه، واللبن من أجود الغذاء له إن لم يكن به حمى، فإن كان به حمى ليست من الحميات العفنة بل اليومية استعمل الدوغ الحامض. وإذا عطش على النوم تجزى بالمضمضة ولم يشرب ريه فإنه حينئذ يموت على المكان، بل يجب أن يتجزى بالمضمضة وأن لم يجد بدا من أن يشرب، يشرب جرعة بعد جرعة، فإذا سكن ما به وسكن الهائج من عطشه شرب، وإن بدأ أولأ قبل شربه فشرب دهن ورد وماء ممزوجين، ثم شرب الماء، كان أصوب. وبالجملة فإن مضروب الحرّ يجب أن يجعل مجلسه موضعاً بارداً ويغسل رجله بالماء البارد، وإن كان عطشان شرب البارد قليلاً قليلاً ويغتذي بشيء سريع الانهضام.
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
● [ الفصل الرابع : تدبير من يسافر في البرد ] ●
إن السفر في البرد الشديد عظيم الخطر مع الاستظهار بالعدد والأهب ، فكيف مع ترك الاستظهار، فكم من مسافر متدثّر بكل ما يمكن قد قتله البرد والدمق بتشنج وكزاز وجمود وسكتة، ومات موت من شرب الأفيون واليبروح، فإن لم يبلغ حالهم إلى الموت، فكثيراً ما يقعون في الجوع المسمى بوليموس . وقد ذكرنا ما يجب أن يعمل فيه وفي الأمراض الآخرى في موضعه. وأولى الأشياء بهم أن يسدوا المسام، ويحفظوا الأنف والفم من أن يدخلها هواء بارد بغتة ويحفظوا الأطراف بما سنذكره. واذا نزل المسافر في البرد، فلا يجب أن يدفىء نفسه في الحال، بل يتدرج يسيراً يسيراً في دفء، ويجب أن لا يستعجل إلى الصلاء ، بل أن لا يقربه أحسن وإن كان لم يجد بدًا تدرج إلى ذلك. وأولى الأوقات به أن يجتنبه فيه إذا كان من عزمه أن يسير في الوقت، ويخرج إلى البرد، هذا ما لم يبلغ البرد من المسافر مبلغ الإيهان وإسقاط القوة. وأما إذا عمل فيه الخصر فلا بد من استعجال التدفي والتمرخ بالأدهان المسخنة خصوصاً ما فيه ترياقية كدهن السوسن.
وإذا نزل المسافر في البرد وهو جائع فتناول شياً حاراً، عرض به حرارة كالحمى عجيبة. وللمسافرين أغذية تسهل عليهم أمر البرد، وهي الأغذية التي يكثر فيها الثوم والجوز والخردل والحلتيت، وربما وقع فيها المصل ليطيّب الثوم والجوز، والسمن أيضاً جيد لهم، وخصوصاً إذا شربوا عليها الشراب الصرف. ويحتاج المسافر في البرد إلى أن لا يسافر خاوياً، بل يمتلىء من غذائه ويشرب الشراب بدل الماء، ثم يصبر حتى يقر ذلك في بطنه ويسخن ثم يركب. والحلتيت مما يسخن الجامد في البرد خصوصاً إذا سلم في الشراب. والشربة التامة درهم من الحلتيت في رطل من الشراب. وللمسافر في البرد مسوحات تمنع بدنه عن التأثر من البرد، منها الزيت وغير ذلك. والثوم من أفضل الأشياء لمن برد عن هواء بارد، وإن كان يضر بالدماغ والقوى النفسانية.
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
● [ الفصل الخامس : حفظ الأطراف عن ضرر البرد ] ●
يجب أن يدلكها المسافر أولاً حتى تسخن، ثم يطليها بدهن حار من الأدهان العطرة مثل دهن السوسن ودهن البان والميسوسن لطوخ جيّد لهم، فإن لم يحضر فالزيت، وخصوصاً إذا جعل فيه الفلفل والعاقر قرحا، أو الفربيون والحلتيت أو الجندبادستر ومن الأضمدة الحافظة للأطراف أن يجعل عليها قنة وثوم، فإنه أمان ولا كالقطران. ولا يجوز أن يكون الخف والدستبانج بحيث لا يتحرّك فيه العضو. فإن حركة العضو أحد الأسباب الدافعة عنه البرد والعضو المخنوق يصيبه البرد بشدّة، وإذا غشي بكاغد وشعر أو وبر كان أوقى له، وإذا صارت الرجل مثلاً أو اليد لا تحس بالبرد من غير أن يخص البرد ومن غير أن يزيد وقايته بتدبير جديد، فاعلم أن الحس في طريق البطلان، وأن البرد قد عمل فيه، فليدبر مما تعلمه الان.
وأما إذا عمل البرد في العضو، فأمات الحار الغريزي الذي كان فيه، وحقن ما كان يتحلل منه في جوهره، وعرضه للعفونة، فربما احتيج أن يفعل في بابه ما قيل في باب القروح، وخصوصاً الأكَالة الخبيثة. وأما إذا ضربه البرد ولم يعفن بعد بل هو في سبيله، فالأصوب أن يوضع الطرف في ماء الثلج خاصة، أو ماء طبخ فيه التين. وماء الكرنب ومأء الرياحين وماء الشبت وماء البابونج كله جيّد. والتردوغ لطوخ جيّد. وماء الشيح وماء الفودنج وماء النمام والتضميد بالسلجم دواء جيد نافع له. ويجب أن يجنب النار وقربها، ويجب في الحال أن يمشي ويحرك الرجل والطرف، فيروضه ويدلكه، ثم يمرخه ويطليه وينطله بما قلناه. وليعلم أن ترك الأطراف متعلقة ساكنة في البرد لا تحرك ولا تراض، هو من أقوى الأسباب الممكنة للبرد من الطرف. ومن الناس من يغمسه في ماء بارد فيجد لذلك منفعة كأن الأذى يندفع عنه، كما يعرض للفاكهة الجامدة أن تلقى في الماء البارد. فيكون كأنه يخرج الجمد عنها وينتسج عليها فتلين وتستوى، ولو أنها قربت من النار فسدت. وأما كيف هذا فهو مما لا يحتاج إليه الطبيب. فأما إذا أخذ الطرف يكمد، فيجب أن يشرط ويسيل منه الدم والعضو موضوع في الماء الحار لئلا يجمد شيء من الدم في فوهات الشرط، فلا يخرج بل يترك حتى يحتبس من نفسه، ثم يطلى بالطين الأرمني والخل الممزوج، فإن ذلك يمنع فساده. والقطران ينفع بدءاً وأخيراً، وإذا جاوز الأمر السواد والخضرة وأدرك وهو يتعفن، فلا يشتغل بغير إسقاط ما يعفن بعجلة لئلا يعفن أيضاً الصحيح الذي في الجوار وكيلا تدب العفونة، بل يفعل ما قلناه في بابه.
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
● [ الفصل السادس : حفظ اللون في السفر ] ●
يجب أن يطلى الوجه بالأشياء اللزجة والتي فيها تغريه مثل لعاب بزر قطونا ومثل لعاب العرفج ومثل الكثيراء المحلول في الماء والصمغ المحلول في الماء ومثل بياض البيض ومثل الكعك السميذ المنقوع في الماء وقرص وصفة قريطن، وأما إذا شققه ريح أو برد أو شمس، فاطلب تدبيره من الكلام في الزينة.
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
●[ الفصل السابع : توقي المسافر مضرة المياه المختلفة ]●
إن اختلاف المياه قد يوقع المسافر في أمراض أكثر من اختلاف الأغذية، فيجب أن يراعى ذلك بتدارك أمر الماء. ومن تداركه كثرة ترويقه وكثرة استرشاحه من الخزف الرشاح وطبخه، كما قد بينا العلة فيه قد يصفيه ويفرّق بين جوهر الماء الصرف وبين ما يخالطه وأبلغ من ذلك كله تقطيره بالتصعيد، وربما فتلت فتيلة من صوف وجعل منها فى أحد الإناءين وهو المملوء طرف وترك طرفها الآخر في الإناء الخالي، فقطر الماء الخاليّ وكان ضرباً جيداً من الترويق، وخصوصاً إذا كرر، وكذلك إذا طبخ الماء المر والرديء وطرح فيه وهو يغلي طين حر وكباب صوف، ثم تؤخذ وتعصر، فإنها تعصر عن ماء خير من الأوَّل، وكذلك محض الماء وقد جعل فيه طين حر لا كيفية رديئة له، وخصوصاً المحترق في الشمس، ثم يصقيه وهو مما يكسر فساده. وشرب الماء مع الشراب أيضاً مما يدفع فساده إذا كان فساده من جنس قلة النفوذ، وأيضاً فإن الماء إذا قل ولم يوجد، فيجب أن يشرب ممزوجاً بالخل وخصوصاً في الصيف، فإن ذلك يغني عن الاستكثار. والماء المالح يجب أن يشرب بالخل أو السكنجبين، ويجب أن يلقي فيه الخرنوب وحب الآس والزعرور.
والماء الشبي العفص يجب أن يشرب عليه كل ما يلين الطبيعة. والشراب أيضاً مما ينفع شربه عليه، والماء المر يستعمل عليه الدسومات والحلاوات ويمزج بالجلاب. وشرب ماء الحمص قبله وقبل ما يشبهه مما يدفع ضرره، وكذلك أكل الحمص والماء القائم الآجامي الذدي يصحبه عفونة، فيجب أن لا يطعم فيه الأغذية الحارة، وأن يستعمل القوابض من الفواكه الباردة والبقول مثل السفرجل والتفاح والريباس. والمياه الغليظة الكدرة يتناول عليها الثوم، ومما يصفيها الشب اليماني، ومما يدفع فساد المياه المختلفة البصل، فإنه ترياق لذلك، وخصوصاً البصل بالخل والثوم أيضاً. ومن الأشياء الباردة الخس، ومن التدبير الجيد لمن ينتقل في المياه المختلفة أن يستصحب من ماء بلده، فيمزج به الماء الذي يليه، ويأخذ من ماء كل منزل للمنزل الذي يليه فيمزجه بمائه، وكذلك يفعل حتى يبلغ مقصده. وكذلك إن استصحب طين بلده وخلطه بكل ما يطرأ عليه وخضخضه فيه، ثم تركه حتى يصفو. ويجب أن يشرب الماء من وراء فدام لئلاّ يجرع العلق بالغلط ولا يزدرد البشم من الأخلاط الرديئة. واستصحاب الربوب الحامضة لتمج بكل ماء من المختلفة تدبير جيّد.
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
● [ الفصل الثامن : تدبير راكب البحر ] ●
قد يعرض لراكب البحر أن يدور ويدار به، وأن يهيج به الغثيان والقيء، وذلك في أوائل الأيام، ثم يهدأ فيسكن ويجب أن يلح على غثيانه وقيئه بالحبس بل يترك حتى يقيء، فإن أفرط فيه حبس حينئذ. وأما الاستعداد لئلا يعرض له القيء فليس به بأس وذلك بأن يتناول من الفواكه مثل السفرجل والتفاح والرمّان، وإذا شرب بزر الكرفسر منع الغثيان أن يهيج به وسكنه إذا هاج. والأفستين أيضاً كذلك، ومما يمنعه أن يغتذي بالحموضات المقوية لفم المعدة المانعة من ارتفاع البخار إلى الرأس، وذلك كالعدس بالخل وبالحصرم وقليل فودنج أو حاشا ، أو الخبز المبرد في شراب ريحاني، أو ماء بارد، وقد يقع فيه حاشا، ويجب أن يمسح داخل الأنفس بالاسفيداج.
● [ تم التعليم الخامس وهو ثمان فصول ] ●
تم الفن الثالث : الصحة والمرض وضرورة الموت
القانون فى الطب لإبن سينا
الكتاب الأول: الأمور الكلية فى علم الطب
منتدى حُكماء رُحماء الطبى . البوابة
تم الفن الثالث : الصحة والمرض وضرورة الموت