منتدى غذاؤك دواؤك

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

    الفصول من الرابع إلى السادس

    avatar
    غذاؤك
    Admin


    عدد المساهمات : 2100
    تاريخ التسجيل : 12/11/2013

    الفصول من الرابع إلى السادس Empty الفصول من الرابع إلى السادس

    مُساهمة من طرف غذاؤك الخميس 11 فبراير 2021 - 12:45

    الفصول من الرابع إلى السادس Fekyh_10

    بّسم اللّه الرّحمن الرّحيم
    مكتبة الفقه الإسلامي
    الإمام في بيان أدلة الأحكام
    لعز الدين بن عبد السلام
    الفصول من الرابع إلى السادس 1410
    ● [ الفصل الرابع ] ●
    فيما يصلح للدلالة على الأمرين

    وهو أنواع فندكر من ذلك ما يستدل به على غيره الأول كتابة العمل وحفظه { وإن عليكم لحافظين كراما كاتبين } { وكل شيء أحصيناه كتابا } { وكل شيء فعلوه في الزبر } { إن رسلنا يكتبون ما تمكرون } { سنكتب ما يقول } { سنكتب ما قالوا } { ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد } { ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها } { ويرسل عليكم حفظة } { إن كل نفس لما عليها حافظ } { أحصاه الله ونسوه } { اقرأ كتابك } { فأولئك يقرؤون كتابهم } فمن هذه الآيات ما يدل على كتابة المنهيات ومنها ما يدل على كتابة المنهيات والمأمورات الثاني وضع الموازين وهو دال على الأمر والنهي جميعا إلا أن الثقل يدل على الطاعة والخفة تدل على المعصية كما أن أخذ الكتب بالأيمان يدل على الطاعة وأخذها بالشمائل يدل على المعصية { ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا } { فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون } { فأما من ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية وأما من خفت موازينه فأمه هاوية } { فأما من أوتي كتابه بيمينه فيقول هاؤم اقرؤوا كتابيه } { وأما من أوتي كتابه بشماله فيقول يا ليتني لم أوت كتابيه } الثالث الطاعة والتقوى فالطاعة علامة لامتثال كل أمر واجتناب كل نهي والتقوى خاصة بفعل الواجبات وترك المحرمات الرابع السبيل والصراط والطريق يحتمل أن تحمل على التقوى ويحتمل أن تحمل على الطاعة لأنها مؤدية إلى الثواب ومخلصة من العقاب ولما كان الطريق الحقيقي مؤديا إلى المقاصد صح أن يسمى كل من أدى إلى مقصود سبيلا وصراطا وطريقا فلما كانت الطاعة مؤدية إلى الثواب والمعصية مؤدية إلى العقاب سميتا بذلك تجوزا { قل هذه سبيلي أدعو إلى الله } { وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم } { لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم طريقا إلا طريق جهنم } { ولتستبين سبيل المجرمين } { ولا تتبعان سبيل الذين لا يعلمون } وأما الاستقامة فيجوز أن تحمل على الطاعة ويجوز أن تحمل على التقوى فيجوز أن يكون قوله { فاستقم كما أمرت } بمعنى فأطع كما أمرت ويجوز أن يكون بمعنى فاتق كما أمرت وكذلك في قوله { إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا } وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم استقيموا ولن تحصوا والأولى حمل الاستقامة في قوله تعالى { إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم } على التقوى لتبقى لفظه أفعل على بابها لأن فعل الواجب وترك الحرام أقوم من فعل المندوب وترك المكروه ولو حملت على الطاعة لكانت لفظة أفعل محمولة على غير بابها وهو خلاف الظاهر أو لكان المباح موصوفا بالاستقامة وهو على خلاف عرف الاستعمال الخامس ذكر اطلاع الرب سبحانه على الفعل قد يدل على الترهيب الدال على النهي وقد يدل على الترغيب الدال على الأمر وقد يدل على الأمرين { وما تفعلوا من خير يعلمه الله } { وما تفعلوا من خير فإن الله به عليم } { ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون } { وما ربك بغافل عما تعملون } { والله بما تعملون خبير } { والله بما تعملون بصير } { إن ربي بما تعملون محيط } { والله يعلم ما تسرون وما تعلنون } { ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون } { ثم جعلناكم خلائف في الأرض من بعدهم لننظر كيف تعملون } { فلنقصن عليهم بعلم وما كنا غائبين } { إن الذين يلحدون في آياتنا لا يخفون علينا } { وما تكون في شأن وما تتلو منه من قرآن ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا إذ تفيضون فيه } السادس الندم والحسرة في الآخرة من ندم في الآخرة على كونه فعل دل ندمه على النهي عن الفعل ومن ندم على كونه ترك دل على النهي عن الترك ومن تحسر على كونه فعل أو تحسر على كونه ترك فكذلك ومن أطلق الحسرة جاز تعلقها بالأمرين { كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم } { يا حسرتنا على ما فرطنا فيها } { وأنذرهم يوم الحسرة } { يا حسرة على العباد } { وأسروا الندامة لما رأوا العذاب } { ويوم يعض الظالم على يديه } { قال عما قليل ليصبحن نادمين } السابع تعجب الرب سبحانه إن تعلق بحسن الفعل دل على الأمر به كقوله صلى الله عليه وسلم يعجب ربك من شاب لا صبوة له وإن تعلق بقبح الفعل دل على النهي عنه { وإن تعجب فعجب قولهم } { بل عجبت ويسخرون } { كيف تكفرون بالله } { وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض } { وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله } { قاتلهم الله أنى يؤفكون } { قتل الإنسان ما أكفره } { فما أصبرهم على النار } والسياق مرشد إلى حسن الفعل المتعجب منه وقبحه كما يرشد سياق الوعظ إلى أن تحقير الشيء وذمه تزهيد فيه وحث على تركه وأن تفخيمه ومدحه ترغيب فيه وحث على فعله فقوله { قل متاع الدنيا قليل } تزهيد في متاعها { والآخرة خير لمن اتقى } ترغيب في السعي لها وكذلك قوله { أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة } وقوله { وما الحياة الدنيا في الآخرة إلا متاع } { وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور } الثامن تعظيم الفعل إن كان في سياق مدح دل على الأمر كقوله تعالى { وإنك لعلى خلق عظيم } وإن كان في سياق ذم أو زجر دل على النهي كقوله { إنكم لتقولون قولا عظيما } { وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم } { والفتنة أكبر من القتل } { كبرت كلمة تخرج من أفواههم } التاسع التوبيخ والإنكار إن تعلقا بفعل دلا على النهي عنه وإن تعلقا بترك دلا على الأمر بالمتروك مثاله فيهما { أتدعون بعلا وتذرون أحسن الخالقين } وليس قوله { أتأتون الذكران من العالمين وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم } من هذا القبيل هذا مثال التوبيخ العاجل وأما الآجل فكقوله { أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا } { أولم تكونوا أقسمتم من قبل ما لكم من زوال } العاشر شقاوة الآخرة وسعادتها لا يوصف بشقاء الآخرة إلا عاص وأما سعادتها فقد يوصف بها الطائع وهو الغالب وقد يوصف بها من لم يطع كأطفال المسلمين ومجانينهم ومن اخترم بعد البلوغ وقبل التمكن من الفعل الحادي عشر الموعظة والتذكرة يدلان على الحث على كل حسن والزجر عن كل قبيح فيدلان على الأمر والنهي مثال ذلك في النهي قوله تعالى { يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبدا } وقوله { إني أعظك أن تكون من الجاهلين } ومثاله في الأمر { إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا } ومثاله فيما يصلح للأمر والنهي { قد جاءتكم موعظة من ربكم } { إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب } أي اتعاظا لمن كان له عقل { ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة } { قالوا سواء علينا أوعظت أم لم تكن من الواعظين } الثاني عشر في الحكمة دلالة على جميع الأحكام فإنها تدل على شرعية ما فيه جلب مصلحة أو دفع مفسدة أو يتضمن للأمرين جميعا وأحكام الله تعالى كلها كذلك { واذكروا نعمة الله عليكم وما أنزل عليكم من الكتاب والحكمة } { ذلك مما أوحى إليك ربك من الحكمة } إشارة إلى ما تقدم من المأمورات والمنهيات التي أولها { لا تجعل مع الله إلها آخر } وآخرها { كل ذلك كان سيئه عند ربك مكروها } الثالث عشر تمني الهلاك والتسوية بالجماد يصلح للتعلق بترك التقوى فتمني الهلاك كقوله تعالى { يا ليتها كانت القاضية } وكذلك طلب الهلاك { يا مالك ليقض علينا ربك } وتمني التسوية بالجماد كقوله { يا ليتني كنت ترابا } { يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا } الرابع عشر التمني في الآخرة وإن تعلق بفعل دل على الأمر وإن تعلق بترك دل على النهي { يا ليتني قدمت لحياتي } { يا ويلنا } { ليتني لم أتخذ فلانا خليلا }
    ● [ الفصل الخامس ] ●
    في نفي التسوية

    نفي التسوية بين الفعلين أو الفاعلين أو الجزائين إن رجع إلى تفاوتهما في الرتبة دل على تفضيل أحد الفعلين على الآخر وإن رجع إلى الثواب والعقاب دل على الأمر والنهي وإن رجع إلى مدح أحد الفعلين وذم الآخر رجع إلى أن أحدهما مأمور والآخر منهي مثال نفي التساوي في رتبة الثواب قوله { لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم } وقوله { لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل } ومثال نفي التسوية بين الجزائين قوله { أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستوون عند الله } أي في جزأيهما ولذلك أردفه بقوله { الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله } وفي الكلام حذف تقديره أجعلتم أهل سقاية الحاج وأهل عمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله إذ لا تصلح المفاضلة بين فعل وفاعل قوله { أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون } أي ثوابا وعقابا ولذلك أردفه بقوله { أما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم جنات المأوى } { وأما الذين فسقوا فمأواهم النار } وقوله { لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة } ظاهره في جزائهما بدليل قوله { أصحاب الجنة هم الفائزون } وقد نفى الله سبحانه وتعالى المساواة بين الفعلين والفاعلين والجزائين في آية واحدة فقال { وما يستوي الأعمى والبصير ولا الظلمات ولا النور ولا الظل ولا الحرور وما يستوي الأحياء ولا الأموات } فالأعمى الكافر والبصير المؤمن والظلمات الكفر والنور الإيمان والظل الجنة والحرور النار ثم بالغ في نفي تساوي الفاعلين بقوله { وما يستوي الأحياء ولا الأموات } فإن التفاوت بين الحي والميت أبلغ من التفاوت بين الأعمى والبصير ونفي التسوية بين الفاعلين يرجع إلى نفي تساوي الفعلين أو الجزائين
    ● [ الفصل السادس ] ●
    فيما يتضمنه ضرب الأمثال من الأحكام

    إنما ضرب الله تعالى الأمثال في كتابه تذكيرا وعظا ولذلك قال { ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل لعلهم يتذكرون } فما اشتمل من الأمثال على تفاوت في ثواب أو على إحباط عمل أو على مدح أو ذم أو على تفخيم أو تحقير أو على ثواب أو عقاب فإنه يدل على الأحكام بحسب ذلك على ما تقدم ذكره فأما تضعيف الأجر فله مثالان المثال الأول قوله تعالى { مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل } وفيه حذف فإن الأمثال مظنة الحذف والاختصار لكثرة التدوار تقديره كمثل زارع حبة أنبتت سبع سنابل شبه مضاعفة أجر المنفق بمضاعفة غلة الزارع ترغيبا في الإنفاق المثال الثاني قوله { ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضات الله وتثبيتا من أنفسهم كمثل جنة بربوة } أي كمثل غارس جنة بربوة شبه تضعيف الأجر هاهنا بتضعيف غلة الجنة فإن الفارس للنواة يحصل له من النخلة عشرة أقناء مثلا ويشتمل كل قنو على ألف أو ألفين ثم يتضاعف ذلك مرتين وإنما عظمت المضاعفة هنا بما يزيد على سبع المائة لأنه ضم إليها ابتغاء المرضات والتثبيت وإما ما يرجع إلى إحباط العمل فله أمثلة الأول قوله تعالى { لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى كالذي ينفق ماله رئاء الناس } أي كإبطال أجر الذي ينفق ماله رياء الناس ولا يؤمن بالله واليوم الآخر فمثله كمثل زارع صفوان أو غارس صفوان عليه تراب فأصابه وابل فتركه صلدا شبه إبطال الكفر والرياء للصدقة بإذهاب الوابل لتراب الصفوان الثاني قوله تعالى { أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب تجري من تحتها الأنهار له فيها من كل الثمرات وأصابه الكبر وله ذرية ضعفاء فأصابها إعصار فيه نار فاحترقت } شبه إحباط الأعمال عند فقد القيامة بإحراق الأعصار لهذه الجنة مع هرم صاحبها وكثرة عياله وقله احتياله لهرمه وعجزه تنفيرا من الكفر والرياء وإبطال الصدقات بالمن والأذى الثالث قوله تعالى { مثل ما ينفقون في هذه الحياة الدنيا كمثل ريح فيها صر أصابت حرث قوم ظلموا أنفسهم فأهلكته } تقديره مثل إحباط ما ينفقون كمثل إهلاك ريح فيها صر للحرث المذكور وفيه زجر عن الكفر المحبط الرابع قوله { كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف لا يقدرون مما كسبوا على شيء } شبه تعذر وصولهم إلى ثواب شيء من أعماله بتعذر جمع الرماد الذي اشتدت به الرياح في يوم عاصف وهذا أبلغ في الزجر عن الكفر لأنه جعله محبطا لجميع أعمالهم والمثل السابق خاص بنفقاتهم الخامس قوله تعالى { والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفاه حسابه } شبه حسبانهم أنهم ينتفعون بأعمالهم بحسبان الظمآن السراب ماء وشبه فقدهم الإنتفاع بها في القيمة بفقد الظمآن الماء لما أتى موضع السراب وهذا أبلغ من الذي قبله لأن في هذا المثل فقدان الثواب والخيبة بعد الحسبان والرجاء ولم يتعرض للرجاء في المثل السابق وأما ما يرجع إلى ذم الفاعل فله أمثله الأول قوله تعالى { ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا } شبه ناقض العهد في الحمق بناقضة الغزل تنفيرا من نقض العهد الثاني قوله تعالى { إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون } جعلهم من جملة الدواب مبالغة في الذم تنفيرا عن التعامي عن الحق وترك النطق به الثالث قوله تعالى { ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء } وفيه قولان أحدهما أنه شبه دعاءهم الأصنام بالناعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء وفيه زجر عن دعاء الأصنام والقول الثاني فيه حذف تقديره ومثل داعي الذين كفروا إلى الإيمان كمثل الناعق فيكون تشبيها لهم بالبهائم في عدم الفهم ولا يخفى ما فيه من الزجر وأما ما يرجع إلى ما مدح الفاعل وذمه فله أمثلة الأول قوله تعالى { مثل الفريقين كالأعمى والأصم والبصير والسميع } فيه ذم لمن تعامى عن الحق ولم يصغ إليه ومدح لمن استمع للحق وعرفه فيتضمن الحث والمنع الثاني قوله تعالى { ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شيء } الآية 3 شبه تعذر الإيمان والصلاح على الكافر بتعذر النفقة على العبد العاجز وشبه تيسر الإيمان على المؤمن وقدرته على الطاعة بالغني الباذل لما في يديه سرا وجهرا وقيل إن الله عز وجل ضرب العبد العاجز مثلا للصنم وضرب الغني الباذل الكائن على صراط مستقيم لنفسه سبحانه وتعالى تزهيدا في عبادة الأصنام وترغيبا في عبادته الثالث قوله تعالى { ضرب الله مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون ورجلا سلما لرجل } شبه المشرك في سوء حاله بالعبد المشترك بين المتشاكسين وشبه المؤمن في حسن حاله بالرجل السالم ترغيبا في عبادته وزجرا عن عبادة غيره وأما ما يرجع إلى الوعيد فله مثالان الأول قوله تعالى { ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق } شبه الكافر في هلاكه الذي لا يتدارك بهلاك الخار من السماء على الوجه المذكور تنفيرا من الشرك الثاني قوله تعالى { كمثل الذي استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم } وفيه قولان أحدهما أنه نزل في المنافقين شبه أسماعهم بما أظهروه من الإيمان بانتفاع المستوقد بالنار وشبه انتهاء أمرهم إلى عذاب الآخرة وشدائدها بانطفاء النار وبقاء مستوقدها في الظلمات فكذلك حصول المنافقين في الخوف بعد الأمن وفي الشدائد بعد الرخاء إذ يعبر بالظلمات عن الشدائد قال الله تعالى { قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر } وفي ذلك زجر عن النفاق والثاني نزل في منافقي اليهود وكانوا يستفتحون على الكفار برسول الله صلى الله عليه وسلم ويؤمنون به فلما بعث كفروا به فشبه إيمانهم به واستفتاحهم باستيقاد النار وشبه كفرهم بانطفاء النار والحصول في الظلمات مدحا للإيمان وذما للكفران وأما ما يرجع إلى العذاب العاجل فقوله { وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون } وذلك تهديد بالعذاب العاجل يتضمن الزجر عن الكفر بأنعم الله وعن تكذيب رسله وأما ما يرجع إلى تسفيه الفاعل وذمه بسخافة العقل فله مثالان الأول قوله تعالى { ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له } الآية وهذا المثل يتضمن تسفيه عقل من عبد صنم الذي لا يقدر على جلب نفع ولا يدفع عن نفسه ضرا الثاني قوله تعالى { مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتا } شبه الاعتماد على شفاعة الأصنام وتقريبها إلى الله زلفى باعتماد العنكبوت على بيتها أن يدفع عنها وهو أوهن البيوت فكذلك الأصنام أوهن معتمد عليه ولقد سفه من اعتمد في عظائم الأمور على أوهن الأشياء وأبعدها في الغناء عنه وأما ما يرجع إلى التزهيد بتحقير المزهد فيه فكقوله { واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء } وقوله { إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء } شبه سرعة زوالها مع الاعتماد عليها والاغترار بها بسرعة فساد زرع ظن أهله أنهم قادرون عليه فطرقته جائحة جعلته هشيما تذروه الرياح كل ذلك تزهيد في الإعتماد على الحياة السريعة الزوال وترغيب في ترك السعي لها فإن التحقير للشيء في سياق الوعظ والنصح يتضمن التزهيد فيه بعرف الاستعمال وأما ما يرجع إلى مدح الفعل وذمه فهو كتشبيه المعرفة بالنور والحياة وتشبيه الجهل بالظلمة والموت وكتشبيه الحق النافع بالماء النافع وبالحلي والأمتعة النافعة وتشبيه الباطل بالزبد الذاهب جفاء مدحا لأحدهما وذما للآخر { أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس } أي كافرا فهديناه { كمن مثله في الظلمات } أي ظلمات الجهل وكذلك ضرب نور المشكاة مثلا لنوره في قلب المؤمن فالمشكاة كصدر المؤمن والزجاجة كقلبه والمصباح كالمعرفة والزيت كفطنة المؤمن التي تكاد تدرك الصواب من غير توقيف ولا كتاب وكذلك مثل القرآن الذي هو بمعنى القراءة بما أنزله من السماء فسالت أودية بقدرها فاحتمل السيل زبدا رابيا ثم اندفع الزبد وبقي الماء النافع شبه القرآن بالماء النافع لأنه حياه للقلوب كما أن الماء حياة للنبات وشبه القلوب بالأودية إذا أخذ كل قلب من ذلك بقدر ما كتب له كما أخذ كل واد من الماء بقدر ما كتب له ثم شبه ارتفاع كلمة الكفر على كلمة الإيمان والقرآن بارتفاع الزبد على الماء ثم شبه زهوق الباطل وذهاب الكفر بذهاب الزبد جفاء وشبه بقاء المعرفة والقرآن ببقاء الماء النافع مدحا للمعرفة والقرآن وذما للجهل والكفران وكذلك شبه ذهاب الكفر وزواله بذهاب زبد الجواهر إذا أحميت في النار ابتغاء حلية أو متاع من الأمتعة وشبه بقاء القرآن ببقاء الحلي والأمتعة النافعة والتشبيه بالزبد يتضمن ذم المشبه به فإنهم يشبهون الحسن بالحسن والقبيح بالقبيح والمحمود بالمحمود والمذموم بالمذموم والنافع بالنافع والضار بالضار { ويضرب الله الأمثال للناس والله بكل شيء عليم } وقد يعبر بالكفر عن الهلاك لأنه سبب الهلاك ويعبر عن الإيمان بالحياة لأنه سبب الحياة الأبدية قال تعالى { ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة } أي ليؤمن من آمن عن يقين وبصيرة ويكفر من كفر عن يقين ومعرفة وقد شبه الله سبحانه بالأنعام والحمر والكلاب احتقارا للمشبه وذما له ولذلك قال { ساء مثلا } وقال { بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله } ولما شبههم بالحمر كان في تشبيهه ما يقتضي أنهم أسوأ حالا من الحمر لأن الحمر فرت من سبب هلاكها وهو الأسد وهؤلاء فروا من التذكرة وهي سبب نجاتهم كفرار الحمر من سبب هلاكها وهذا مثل قوله عز وجل { أو كصيب } معناه أو كأصحاب الصيب شبه القرآن بالصيب والصيب إذا نزل كان رحمة للزارع وبلية على المسافر فكذلك القرآن كان نزوله رحمة للمؤمنين وبلاء على الكافرين { وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا } فجعل ثقل القرآن عليهم ومشقته عندهم كثقل الصيب ومشقته على المسافر لكن القرآن ثقل عليهم مع كونه سببا لنجاتهم والصيب ثقل على أصحابه لكونه سببا لهلاكهم وتضررهم كما فرت الحمر من القسورة وهو سبب هلاكها وفر المشركون من التذكرة وهي سبب نجاتهم

    الفصول من الرابع إلى السادس Fasel10

    كتاب: الإمام في بيان أدلة الأحكام
    المؤلف : الإمام عز الدين بن عبد العزيز بن عبد السلام السلمي
    منتديات الرسالة الخاتمة - البوابة
    الفصول من الرابع إلى السادس E110


      الوقت/التاريخ الآن هو الثلاثاء 26 نوفمبر 2024 - 23:00