بّسم اللّه الرّحمن الرّحيم
القانون فى الطب لإبن سينا
الكتاب الأول: الأمور الكلية فى علم الطب
الفن الرابع: وجوه المعالجات بحسب الأمراض الكلية
الفصول من السادس الى الخامس عشر
● [ الفصل السابع : تلافي حال من أفرط عليه الاسهال ] ●
الإسهال يفرط، إما لضعف العروق، أو لسعة أفواهها، أو للذع المسهل لفوهاتها. ولاكتساب البدن سوء مزاج منه ومما يجري مجراه، فإذا أفرط الإسهال فاربط الأطراف من فوق، ومن أسفل، بادياً من الإبط والأربية، نازلاً منهما، واسقه من الترياق قليلاً، أو من الفولونيا، وعرقه إن أمكنك بالحمام، أو ببخار ماء تحت ثيابه ويخرج رأسه منها، وإذا كثر عرقهم جداً سُقُوا القوابض ودلكوا واستعملوا اللخالخ الطيبة من مياه الرياحين والصندل والكافور وعصارات الفاكه. ويجب أن يدلك أعضاءه الخارجة ويسخنها ولو بالمحاجم بالنار توضع تحت أضلاعه وبين الكتفين، فإن احتجت أن تضع على معدته وعلى أحشائه أضمدة من التسويق والمياه القابضة فعلت، وكذلك من الأدهان دهن السفرجل ودهن المصطكى. ويجب أن يجتنبوا الهواء البارد فإنه يعصرهم فيسهل. والحار أيضاً، فإذا يرخي قوتهم، ويجب أن يقووا بالمشمومات الطيبة ويُجرعُوا القوابض والكعك في الشراب الريحاني، ويجب أن يكون ذلك حاراً، وقد قدم عليه خبزاً بماء الرمان، وكذلك الأسوقة وقشور الخشخاش مسحوقة، ومما جرب أن يؤخذ حب الرشاد وزن ثلاثة دراهم، ويقلى، ثم يطبخ في الدوغ حتى يعقد، ويساقى فإنه غاية. ويجب أن يكون غذاؤه قابضاً مبرّداً بالثلج مثل ماء الحصرم ونحوه.
ومما يعين على حبس إسهالهم تهييج القيء بماء حار، ولتوضع الأطراف أيضاً فيه، ولا يبردهم، وإن غشي عليهم منه ومنعهم الشراب وإن لم ينجع جميع ذلك، استعملت في آخر الأمر المخدرات والمعالجات القوية المعلومة في باب منع الإسهال، وبالحري أن يكون الطبيب مستظهراً بإعداد الأقراص والسفوفات القابضة قبل الوقت وأن يكون أيضاً مستظهراً بالحقن وآلاتها.
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
● [ الفصل الثامن: تدبيرمن شرب الدواء ولم يسهّله ] ●
إذا لم يسهل الدواء وأمغص وشوّش وأسدر وصدع وأحدث تمطياً وتثاؤباً، فيجب أن يفزع إلى الحقنة والحمولات المعلومة، وليشرب من المصطكي ثلاث كرمات في ماء فاتر، وربما أعمل الدواء شرب القوابض وتناول مثل السفرجل والتفاح عليه لعصره لفم المعدة وما تحته وتسكينه للغثيان ورده الدواء من حركته إلى فوق نحو الأسفل، وتقويته بالطبع، فإن لم تنفع الحقنة، وحدثت أعراض رديئة من تمدد البدن وجحوظ العين، وكانت الحركات إلى فوق، فلا بد من فصد، وإذا لم يسهّل الدواء ولم يتبع ذلك أعراض رديئة، فالصواب أيضاً أن يتبع بفصد، ولو بعد يومين أو ثلاثة، فإنه إن لم يفعل ذلك خفيف حركة الأخلاط إلى بعض الأعضاء الرئيسية.
فيما يجب أن يطلب من هذا الكتاب في كتاب أخر يجب أن يطلب من القراباذين أدوية مسهلة وملينة مشروبة وملطوخة وغير ذلك، وبحسب الأسنان ، ويطلب في الأدوية المفردة إصلاح كل دواء من المفردة وتداركه وكيفية سقيه والحبوب، فيجب أن يتناول إن لم يتحجر جفاًفاً، ولا تتناول أيضاً وهي طرية لينة تلحج وتنشب، بل كلّ ما يأخذ في الجفاف ويكون له تطامن تحت الإصبع.
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
● [ الفصل التاسع والفصل العاشر ] ●
أبعد الناس استحقاقاً لأن يقيئه الطبيب، إمّا بسبب الطبيعة كُل ضَيق الصدر رديءِ النفس مهيأ لنفث الدم، وجميع رقيقي الرقاب والمتهيئين لأورام تحدث في حلقومهم، وأما الضعاف المِعدِ والسمان جداً، فإنهم إنما يليق بهم الإسهال، والقضاف أخلق بالقيء لصفراويتهم، وإما بسبب العادة، وكل من تعسّر عليه القيء أو لم يعتده إذا قيئوا بالمقيئات القوية، لم تلبث عروقهم أن تتصدع في أعضاء النفس فيقعون في السل. ومن اْشكل أمره جرّب بالمقيئات الخفيفة، فإن سهل عليه جسر بعد ذلك على استعمال القوية عليه كالخريق ونحوه، فإن كان واحد ممن لا يحب أن يقيأ ولا بُد من تقيئه، فهيئه أولاً وعوِّده وليِّن أغذيته ودسمها وحلّها وروِّحه عن الرياضات، ثم استعمله واسقه الدسومات والأدهان بشراب وأطعمه قبل القذف أغذية جيدة، خصوصاً إن كان صعب القيء، فإنه ربما لم يتقيأ وغلب الطبيعة، فأن ينحل بالجيد خير من أن ينحل بالرديء، فإذا تقيأ بعد طعام أكله للقيء ، فليدافع الأكل إلى أن يشتدّ الجوع ويسكن عطشه بمثل شراب التفاح دون الجلاّب والسكنجبين فإنهما يغنيان. وغذاؤه الملائم له أيضاً فروج كردناج وثلاثة أقداح بعده، ومن قذف حامضاً ولم يكن له بمثله عهد، وكان في نبضه يسير حمى، فليؤخر الغذاء إلى نصف النهار، وليشرب قبله ماء ورد حاراً. ومن عرض له قيء السوداء فليضع على معدته إسفنجة مشربة خلأً حاراً مسخّناً. والأجود أن يكون طعام القيء مختلفاً، فإن الواحد بما اشتملت عليه المعدة ضانة بروده وبعد القيء المفرط ينتفع بالعصافير والنواهض بعد أن لا يؤكل عظام أطرافها، فإنها ثقيلة بطيئة في المعدة، وأدخله الحمام وأما في حال شرب المقيء، فيجب أن يحضروا ويرتاضوا ويتعبوا، ثم يقيئوا وذلك في انتصاف النهار. ويجب عند التقيئة أن يغطي عينيه برفاده، ثم يشدٌ ويعصب بطنه بقماط ليِّن شدُّا معتدلاً. والأشياء المهيئة للقيء هي الجرجير والفجل والطرنج والفودنج الجبلي الطري والبصل والكرّاث وماء الشعير بثفله مع العسل وحسو الباقلا بحلاوة والشراب الحلو واللوز بعسل، وما يشبه ذلك من الخبز الفطير المعمول في الدهن والبطيخ والقثاء وبزورهما، أو شيء من أصولهما منقوعاً في الماء مدقوقاً مع حلاوة والشورباج الفجلي. ومن شرب شراباً مسكراً للقيء ولا يتقيأ على قليله، فليشرب كثيراً. والفقاع إذا شرب بالعسل بعد الحمام، قيّأ وأسهل، ومن أراد أن يتقيأ، فلا يجب أن يستعمل في ذلك القرب المضغ الشديد، فإذا سقى الإنسان مقيئاً قوياً مثل الخربق، فيجب إن يسقى على الريق إن لم يكن مانع، وبعد ساعتين من النهار وبعد إخراج الثفل من المعي، فإن تقيأ بالريشة، وإلا حرك يسيراً، وإلا أدخل الحمام. والريشة التي يتقيأ بها يجب أن تمسح بمثل دهن الحناء، فإن عرض تقطيع وكرب، سقي ماء حاراً أو زيتاً، فإما أن يتقيأ، وإما أن يسهّل. ومما يعين على ذلك تسخين المعدة والأطراف، فإن ذلك يحدث الغثيان، وإذا أسرع الدواء المقيء وأخذ في العمل بسرعة، فيجب أن يسكن المتقيء ويتنشق الروائح الطيبة ويغمز أطرافه ويسقى شيئاً من الخل ويتناول بعده التفاح والسفرجل مع قليل مصطكى.
واعلم أن الحركة تجعل القيء أكثر، والسكون يجعله أقل، والصيف أولى زمان يستعمل فيه القيء، فإن احتاج إليه من لا يواتي القيء سجيته، فالصيف أولى وقت يرخص له فيه في ذلك، وأبعد غايات القيء. أما على سبيل التنقية الأولى فالمعدة وحدها دون المعي. وأما على سبيل التنقية الثانية، فمن الرأس وسائر البدن. وأما الجذب والقلع فمن الأسافل. وأنت تعرف القيء النافع من غير النافع بما يتبعه من الخص والشهوة الجيدة والنبض والتنفس الجيدين، وكذلك حال سائر القوى، ويكون ابتداؤه غثياناً. وأكثر يؤذي معه لذع شديد في المعدة وحرقة أن كان الدواء قوياً مثل الخربق، وما يتّخذ منه، ثم يبتدىء بسيلان لعاب، ثم يتبعه قيء بلغم كثير دفعات، ثم يتبعه في شيء سيال صاف ويكون اللذع والوجع ثابتاً من غير أن يتعدى إلى أعراض أخرى غير الغثيان وكربه، وربما استطلق البطن، ثم يأخذ في الساعة الرابعة يسكن ويميل إلى الراحة. وأما الرديء فإنه لا يحبب القيء ويعظم الكرب ويحدث تمدد أو جحوظ عين وشدة حمرة فيهما شديدة وعرق كثير وانقطاع صوت. ومن عرض له هذا ولم يتداركه صار إلى الموت. وتداركه بالحقنة وسقي العسل والماء الفاتر والأدهان الترياقية كدهن السوسن ويجتهد حتى يقيء فإنه إن قاء لم يختنق، وافزع أيضاً إلى حقنة معدة عندك. وأولى ما يستعمل فيه القيء الأمراض المزمنة العسيرة كالاستسقاء والصرع والمالنخوليا والجذام والنقرس وعرق النسا. والقيء مع منافعه قد يجلب أمراضاً مثل ما يجلب الطرش، ولا يجب أن يوصل به الفصد، بل يؤخر ثلاثة أيام، ولا سيما إذا كان في فم المعدة خلط وكثيراً ما عسر القيء لرقة الخلط، فينبغي حينئذ أن يثخن بتناول سويق حب الرمان. واعلم أن القيام بعد القيء دليل على اندفاع تخمة إلى أسفل، والقذف بعد القيام دليل على أنه من أعراض القيام. وأفضل الأوقات للقيء صيفاً بسبب وجع هو نصف النهار. والقيء نافع للجسد رديء للبصر وينبغي أن لا تقيأ الحبلى، فإن فضول حيضها لا يندفع بذلك القيء، والتعب يوقعها في اضطراب، فيجب أن يسكن، وأما ساتر من يعتريه القيء فيجب أن يعان.
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
● [ الفصل الحادي عشر : فيما يفعله من تقيأ ] ●
فإذا فرغ المتقيء من قيه غسل فمه ووجهه بعد القيء بخل ممزوج بماء ليذهب الثقل الذي ربما يعرض للرأس، وشرب شيئاً من المصطكى بماء التفاح، ويمتنع من،الآكل وعن شرب الماء، ويلزم الراحة، ويدهن شراسيفه، ويدخل الحمام، ويغسل بعجلة، ويخرج، فإن كان لا بد من إطعامه، فشيء لذيذ جيّد الجوهرسريع الهضم.
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
● [ الفصل الثاني عشر : منافع القيء ] ●
إن أبقراط يأمر باستعمال القيء في الشهر يومين متواليين، ليتدارك الثاني ما قصر وتعسر في الأول، ويخرج ما يتحلب إلى المعدة. وأبقراط يضمن معه حفظ الصحة. والإكثار من هذا رديء. ومثل هذا القيء يستفرغ البلغم والمرة وينقي المعدة، فإنها ليس لها ما ينقيها مثل ما للأمعاء من المرار التي تنصبّ إليها، وينقيها ويذهب الثقل العارض في الرأس، ويجلو البصر ويدفع التخمة وينفع من ينصبّ إلى معدته مرار يفسد طعامه، فإذا تقدمه القيء ورد طعامه على نقاء، ويذهب نفور المعدة عن الدسومة، وسقوط شهوتها الصحيحة واشتهاءها الحريف والحامض والعفص، وينفع من ترهل البدن ومن القروح الكائنة في الكلي والمثانة، وهو علاج قوي للجذام ولرداءة اللون وللصرع المعدي ولليرقان ولانتصاب النفس والرعشة والفالج، وهو من العلاجات الجيّدة لأصحاب القوباء.
ويجب أن يستعمل في الشهر مرة أو مرتين على الامتلاء من غير أن يحفظ دور معلوم وعدد أيام معلومة. وأشد موافقة القيء لمن مزاجه الأوّل مراري قصيف.
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
● [ الفصل الثالث عشر : مضارالقيء المفرط ] ●
القيء المفرط يضر المعدة ويضعفها ويجعلها عرضة لتوجه المواد إليها، ويضر بالصدر والبصر والأسنان وبأْوجاع الرأس المزمنة، إلا ما كان منه بمشاركة المعدة، ويضر في صداع الرأس الذي ليس بسبب الأعضاء السفلى.
والإفراط منه يضر بالكبد والرئة والعين، وربما صدع بعض العروق. ومن الناس من يحب أن يمتلىء يسرعة، ثم لا يحتمله فيفزع إلى القيء، وهذا الصنيع مما يؤدي إلى أمراض رديئة مزمنة، فيجب أن يمتنع عن الامتلاء ويعدل طعامه وشرابه.
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
● [ الفصل الرابع عشر: تدارك أحوال تعرض للمتقيء ] ●
أما امتناع القيء، فقد قلنا فيه ما وجب، وأما التمدد والوجع اللذان يعرضان تحت الشراسيف، فينفع منهما التكميد بالماء الحار والادهان المليّنة والمحاجم بالنار، وأما اللذع الشديد الباقي في المعدة فيدفعه شرب المرقة الدسمة السريعة الهضم وتمريخ الموضع بمثل دهن البنفسج مخلوطاً بدهن الخيري مع قليل شمع، وأما الفواق إذا عرض معه ودام، فليسكنه بالتعطيش وتجريع الماء الحار قليلاً قليلاً، وأما قيء الدم فقد قلنا فيه في باب مضار القيء، وأما الكزاز والأمراض الباردة والسبات وانقطاع الصوت العارضة بعده، فينفع فيها شد الأطراف وربطها وتكميد المعدة بزيت قد طبخ فيه السذاب وقثاء الحمار ويسقى عسلاً وماء حاراً والمسبوت يستعمل ذلك ويصبّ في أذنه.
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
● [ الفصل الخامس عشر: تدبير من أفرط عليه القيء ] ●
ينوّم ويجلب له النوم بكل حيلة، وليربط أطرافه كربطها في حبس الإسهال، ولتعالج معدته بالأضمدة المقوية والقابضة، فإن أفرط القيء واندفع إلى أن يستفرغ الدم، فامنعه بسقي اللبن ممزوجاً به الخمر أربع قوطولات ، فإنه يوهن عادية الدواء المقيء ويمنعْ الدم ويلين الطبيعة، فإن أردت أن تنقي نواحي الصدر والمعدة من الدم مع ذلك لئلا ينعقد فيها، فاسقه سكنجبيناً مبرداً بالثلج قليلاً قليلاً، وقد ينفع من ذلك شرب عصارة بقلة الحمقاء مع الطين الأرمني وإذا جرع منه من أفرط عليه دواء قيأه. ويجب أن تطلب الأدوية المقيئة على طبقاتها، وكيف يجب أن يسقى كل واحد منها والخربق خاصة من الأقراباذين ومن الأدوية المفردة.
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
● [ الفصل السادس عشر : الحقنة ] ●
هي معالجة فاضلة في نفض الفضول عن الأمعاء وتسكين أوجاع الكلي والمثانة وأورامها، ومن أمراض القولنج، وفي جذب الفضول عن الأعضاء الرئيسية العالية، إلا أن الحادة منها تضعف الكبد وتورث الحمى، والحقن يستعان بها في نفض البقايا التي تخلفها ا لإستفراغات.
وأما صورة الحقنة وكيفية الحقن فقد ذكرناها في باب القولنج، ولعل أفضل أوضاع المحتقن أن يكون مستلقياً ثم يضطجع على جانب الوجع، وأفضل أوقات الحقنة برد الهواء، وهو الأبرد أن ليقل الكرب والاضطراب والغشي. والحمام من شأنه أن يثير الأخلاط ويفرقها. والحقنة من شرطها أن تجذب الأخلاط المحتقنة، فلهذا لا يحسن في الأكثر أن يقدم الحمام على الحقنة. ومن كان به عقر في الأمعاء واحتاج بسبب حقى أو مرض آخر إلى الحقنة وخاف أن تحتبس، فيجب أن يكمّد مقعدته وسرته وما حولها بجاوِرس مسخن.
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
● [ الفصل السابع عشر : الأطلية ] ●
إن الطلاء من المعالجات الواصلة إلى نفس المرض وربما كان للدواء قوتان لطيفة وكثيفة، والحاجة إلى اللطيفة أكثر من الحاجة إلى الكثيفة، فإن كانت الكثافة منه معادلة للطافة، فإذا استعمل ضماد أنفذت لطيفته واحتبست الكثيفة، فانتفع بالنافذ كما تفعل الكزبرة بالسويق في تضميد الخنازير بها.
والأضمدة كالأطلية إلا أن الأضمدة متماسكة، والأطلية سيالة، وكثيراً ما يكون استعمال الأطلية بالخرق، وإذا كانت على أعضاء رئيسة كالكبد والقلب، ولم يكن مانع نفعت الخرق المبخرة بالعود الخام، وأعطت قوى الأطلية عطرية تستحبها الأعضاء الرئيسة.
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
● [ الفصل الثامن عشر : النطولات ] ●
إن النطولات علاجات جيدة لما يحتاج أن يبدل من الرأس وغيره من الأعضاء.
وما يحتاج أن يبدل مزاجه، والأعضاء المحتاجة إلى التنطيل بالحار والبارد، فإن لم يكن هناك فضول منصبة، استعمل أولاً النطول مسخناً، ثم يستعمل الماء البارد ليشتد، وإن كان الأمر بالخلاف بما بالبارد.
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
● [ الفصل التاسع عشر : الفصد ] ●
القصد هو استفراغ كلي يستفرغ الكثرة، والكثرة هي تزايد الأخلاط على تساويها في العروق، وإنما ينبغي أن يفصد أحد نفسين: المتهيء لأمراض إذا كثر دمه وقع فيها، والآخر الواقع فيها وكل واحد منهما، إما أن يفصد لكثرة الدم، وإما أن يفصد لرداءة الدم، وإما أن يفصد لكليهما.
والمتهيء لهذه الأمراض هو مثل المستعد لعرق النسا والنقرس الدموي وأوجاع المفاصل الدموية، والذي يعتريه نفث الدم من صدع عرق في رثته رقيق الملتحم، وكلما أكثر دمه انصدع، والمستعدون للصرع والسكتة، والمالنخوليا مع فور للخوانيق ولأورام الأحشاء والرمد الحار، والمنقطع عنهم دم بواسير كانت تسيل في العادة، والمحتبس عنهن من النساء دم حيضهن وهذان لا تدل ألوانهما على وجوب الفصد لكمودتها وبياضها وخضرتها، والذين بهم ضعف في الأعضاء الباطنة مع مزاج حار، فإن هؤلاء، الأصوب لهم أن يفتصدوا في الربيع، وإن لم يكونوا قد وقعوا في هذه الأمراض.
والذين تصيبهم ضربة أو سقطة فقد يفصدون احتياطاً لثلآ يحدث بهم ورم، ومن يكون به ورم ويخاف انفجاره قبل النضج، فإنه يفتصد، وإن لم يحتج إليه ولم تكن كثرة.
ويجب أن تعلم أن هذه الأمراض ما دامت مخوفة ولم يوقع فيها، فإن إباحة الفصد فيها أوسع، فإن وقع فيها، فليترك في أوائلها الفصد أصلاً، فإنه يرقّق الفضول ويجريها في البدن ويخلطها بالدم الصحيح، وربما لم يستفرغ من المحتاج إليه شيئاً وأحوج إلى معاودات مجحفة، فإذا ظهر النضج وجاوز المرض الابتداء والانتهاء، فحينئذ إن وجب الفصد ولم يمنع مانع فصد. ولا يفصدن ولا يستفرغن في يوم حركة المرض، فإنه يوم راحة ويوم النوم والثوران للعلة، وإذا كان المرض ذا بحرانات في مدّته طول ما، فليس يجوز أن يستفرغ دماً كثيراً أصلاً، بل إن أمكن أن يسكن فعل، وإن لم يمكن فصد وأخرج دماً قليلاً، وخلف في البدن عدة دم لفصدات إن سنحت، ولحفظ القوة في مقاومة البحرانات، وإذا اشتكى في الشتاء بعيد العهد بالفصد تكسيراً، فليفصد وليخلف دماً للعدة. والفصد يجذبه إلى الخلاف تحبس الطبيعة كثيراً، وإذا ضعفت القوة من الفصد الكثير، تولدت أخلاط كثيرة والغشي يعرض في أول الفصد لمفاجأة غير المعتاد وتقدم القيء، مما يمنعه وكذلك القيء وقت وقوعه.
واعلم أن الفصد مثير إلى أن يسكن، والفصد والقولنج قلما يجتمعان، والحبلى والطامث لا تفصدان إلا لضرورة عظيمة، مثل الحاجة إلى حبس نفث الدم القوي إن كانت القوة متواتية، والأولى والأوجب أن لا تفصد بتة إذ يموت الجنين. ويجب أن تعلم أنه ليس كلما ظهرت علامات الامتلاء المذكورة وجب الفصد، بل ربما كان الامتلاء من أخلاط نيئة وكان الفصد ضاراً جداً، فإنك إن فصدت لم ينضج وخيف أن يهلك العليل وأما من يغلب عليه السوداء، فلا بأس بأن يفصد إذا لم يستفرغ بالإسهال بعد مراعاة حال اللون على الشرط الذي سنذكره واعتبار التمدد، فإن فشو التمدّد في البدن يفيد الحدس وحده بوجوب الفصد. وأما من يكون دمِه المحمود قليلاً وفي بدنه أخلاط رديئة كثيرة، فإن الفصد يسلبه الطيب ويختلف فيه الرديء، ومن كان دمه رديئاً وقليلاً، أو كان مائلاً إلى عضو يعظم ضرر ميله إليه، ولم يكن بد من فصد، فيجب أن يؤخذ دمه قليلاً ثم يغذى بغذاء محمود، ثم يفصد كرة أخرى، ثم يفصد في أيام ليخرج عنه الدم الرديء، ويخلف الجيّد، فإن كانت الأخلاط الرديئة فيه مرارية، احتيل في استفراغها أولاً بالاسهال اللطيف، أو القيء أو تسكينها، واجتهد في تسكين المريض وتوديعه. وإن كانت غليظة، فقد كان القدماء يكلفونهم الاستحمام والمشي في حوائجهم، وربما سقوهم قبل الفصد وبعده قبل التثنية السكنجبين الملطف المطبوخ بالزوفا والحاشا . وإذا اضطر إلى فصد مع ضعف قوة لحمى، أو لأخلاط أخرى ردية، فليفرق الفصد كما قلنا.
والفصد الضيّق أحفظ للقوة، لكنه ربما أسال اللطيف الصافي وحبس الكثيف الكدر. وأما الواسع، فهو أسرع إلى الغشي وأعمل في التنقية وأبطأ اندمالاً، وهو أولى لمن يفصد للاستظهار وفي السمَان بل التوسيع في الشتاء أولى لئلا يجمد الدم. والتضييق في الصيف أولى إن احتيج إليه، وليفصد المفصود وهو مستلق، فإن ذلك أحرى أن يحفظ قوّته ولا يجلب إليه الغشي. وأما في الحمّيات فيجب، أن يجتنب الفصد في الحميات الشديدة الالتهاب، وجميع الحميات غير الحادة في ابتدائها وفي أيام الدور، ويقلل الفصد في الحميات التي يصحبها تشتج.
وإن كانت الحاجة إلى الفصد واقعة لأن التشنج إذا عرض أسهر وأعرق عرقاً كثيراً وأسقط القوة، فيجب أن يبقى لذلك عدة دم، وكذلك من فصد محموماً ليس حده عن عفن، فيجب أن يقل فصده ليبقى لتحليل الحمى عدة، فإن لم تكن شديدة الالتهاب وكانت عفنة، فانظر إلى القوانين العشرة، ثم تأمل القارورة، فإن كان الماء غليظاً إلى الحمرة، ة وكان أيضاً النبض عظيماً والسحنة منتفخة وليس يبادر الحمّى في حركتها، فافصد على وقت خلاء من المعدة عن الطعام. وأما إن كان الماء رقيقاً أو نارياً أو كانت السحنة منخرطة منذ ابتداء المرض، فإياك والفصد.
وإن كان هناك فترات للحمّى، فليكن الفصد، واعتبر حال النافض، فإذا كان النافض قوياً، فإياك والفصد، وتأمل لون الدم الذي يخرج، فإن كان رقيقاً إلى البياض، فاحبس في الوقت وتوق في الجملة لئلا يجلب على المريض أحد أمرين: تهييج الأخلاط المرارية وتهييج الأخلاط الباردة. وإذا وجب أن يفصد في الحمى، فلا يلتفت إلى ما يقال أنه لا سبيل إليه بعد الرابع، فسبيل إليه إن وجب ولو بعد الأربعين. هذا رأي "جالينوس"، على أن التقديم والتعجيل أولى إذا صحت الدلائل، فإن قصر في ذلك فأي وقت أدركته ووجب، فافصد بعد مراعاة الأمور العشرة، وكثيراً ما يكون الفصد في الحميات، وأن لم يكن يحتاج إليه مقوياً للطبيعة على المادة بتقليلها، هذا إذا كانت السحنة والسن والقوّة وغير ذلك ترخّص فيه. وأما الحمى الدموية فلا بد فيها من استفراغ بالفصد غير مفرط في الابتداء ومفرط عند النضج، وكثيراً ما أقلعت في حال الفصد، ويجب أن يحذر الفصد في المزاج الشديد البرد والبلاد الشديدة البرد وعند الوجع الشديد وبعد الاستحمام المحلل وبعقب الجماع وفي السن القاصر عن الرابع عشر ما أمكن، وفي سن الشيخوخة ما أمكن، اللهم إلا أن تثق بالسحنة واكتناز العضل وسعة العروق وامتلائها وحمرة الألوان فهؤلاء من المشايخ والأحداث نتجرأ على فصدهم.
والأحداث يدرجون قليلاً قليلاً بفصد يسير، ويجب أن يحذر الفصد في الأبدان الشديدة القضافة والشديدة السمن والمتخلخلة والبيض المترهلة والصفر العديمة الدم ما أمكن، وتتوقاه في أبدان طالت عليها الأمراض، إلا أن يكون فساد دمها يستدير ذلك فافصد وتأمل الدم، فإن كان أسود ثخيناً فاخرج وإن رأيته أبيض رقيقاً فسد في الحال، فإن في ذلك خطراً عظيماً، ويجب أن تحذر الفصد على الامتلاء من الطعام كي لا تنجذب مادّة غير نضيجة إلى العروق بدل ما تستفرغ وأن تتوقّى ذلك أيضاً على امتلاء المعدة والمعي من الثقل المدرك، أو المقارب، بل تجتهد في استفراغه، أما من المعدة وما يليها فبالقيء، وأما من الأمعاء السفلى، فيما يمكن ولو بالحقنة، وتتوقى فصد صاحب التخمة، بل تمهله إلى أن تنهضم تخمته. وصاحب ذكاء حس فم المعدة، أو ضعف فمها، أو الممنو يتولد المرار فيها، فإن مثله يجب أن يتوقى التهور في فصده، وخصوصاً على الريق. أما صاحب ذكاء حس فم المعدة فتعرفه بتأذّيه من بلع اللذاعات، وصاحب ضعف فم المعدة تعرفه من ضعف شهوته وأوجاع فم معدته، وصاحب قبول فم معدته للمرار والكثير تولدها فيها تعرفه من دوام غثيانه، ومن قيئه المرار كل وقت، ومن مرارة فمه فهؤلاء إذا فصدوا من غير سبق تعهد لفم معدتهم، عرض من ذلك خطر عظيم، وربما هلك منهم بعضهم، فيجب أن يلقم صاحب ذكاء الحس، وصاحب الضعف لقماً من خبز نقي مغموسة في رُبّ حامض طيب الرائحة، وإن كان الضعف من مزاج بارد فمغموسة في مثل ماء السكر بالإفاويه، أو شراب النعناع الممسك أو الميعة الممسكة ثم يفصد. وأما صاحب تولد المرار فيجب أن يتقيأ بسقي ماء حار كثير مع السكنجبين، ثم يطعم لقماً ويراح يسيراً ثم يفصد، ويحتاج أن يتدارك بدل ما يتحلآ من الدم الجيد إن كان قوياً بالكباب على نقله، فإنه إن انهضم غذى غذاء كثيراً جيداً، ولكن يجب أن يكون أقل ما يكون، فإن المعدة ضعيفة بسبب الفصد، وقد يفصد العرق لمنع نزف الدم من الرعاف أو الرحم أو المقعدة أو الصدر أو بعض الخراجات، بأن يجذب الدم إلى خلاف تلك الجهة. وهذا علاج قوي نافع، ويجب أن يكون البضع ضيقاً جداً، وأن تكون المرات كثيرة لا في يوم واحد، إلا أن تضطر الضرورة بل في يوم بعد يوم، وكل مرة يقلّل ما أمكن
وبالجملة فإن تكثير أعداد الفصد أوفق من تكثير مقداره والفصد الذي لم تكن إليه حاجة يهيج المرار ويعقب جفاف اللسان ونحوه، فليتدارك بماء الشعير والسكر، ومن أراد التثنية ولم يعرض له من الفصدة الأولى مضرة فالج ونحوه، فيجب أن يفصد العرق من إليه طولاً ليمنع حركة العضل عن التحامه، وأن يوسع، وإن خيف مع ذلك الالتحام بسرعة، وضع عليه خرقة مبلولة بزيت وقليل ملح وعصب فوقها، وأن دهن مبضعه عند الفصد منع سرعة الالتحام وقلل الوجع، وذلك هو أن يمسح عليه الزيت ونحوه مسحاً خفيفاً، أو يغمس في الزيت، ثم يمسح بخرقة. والنوم بين الفصد والتئنية يسرع التحام البضع، وتذكر ما قلناه من الاستفراغ في الشتاء بالدواء، أنه يجب أن يرصد له يوم جنوبي، فكذلك الفصد.
واعلم أن فصد الموسومين والمجانين والذين يحتاجون إلى فصد في الليل في زمان النوم، يجب أن يكون ضيقاً لئلاّ يحدث نزف الدم، وكذلك كل من لا يحتاج إلى التثنية. واعلم أن التثنية تؤخر بمقدار الضعف، فإن لم يكن هناك ضعف، فغايته ساعة، والمراد من إرسال دمه الجذب يوماً واحداً. والفصد المورب أوفق لمن يريد التثنية في اليوم والمعرض لمن يريد التثنية في الوقت والمطول لمن لا يريد الاقتصار على تثنية واحدة ومن عزمه أن يترشّح عدة أيام كل يوم، وكلما كان الفصد أكثر وجعاً، كان أبطأ التحاماً. والاستفراغ الكثير في التثنية يجلب الغشي، إلا أن يكون قد تناول المثني شيئاً. والنوم بين الفصد والتثنية، يمنع أن يندفع في الدم من الفضول ما ينجذب لانجذاب الأخلاط بالنوم إلى غور البدن. ومن منافع التثنية حفظ قوة المفصود مع استكمال استفراغه الواجب له، وخير التثنيه ما أخر يومين وثلاثة. والنوم بقرب الفصد ربما أحدث انكساراً في الأعضاء. والاستحمام قبل الفصد، ربما عسَر الفصد بما يغلظ من الجلد ويلينه ويهيئه للزلق، إلا أن يكون المفتصد شديد غلظ الدم. والمفتصد ينبغي له أن لا يقدم على امتلاء بعده بل يتدرج فى الغذاء ويستلطفه أولاً ، وكذلك يجب أن لا يرتاض بعده بل يميل إلى الاستلقاء، وأن لا يستحم بعده استحماماً محللاً، ومن افتصد وتورم عليه اليد افتصد من اليد الآخرى مقدار الاحتمال، ووضع عليه مرهم الاسفيداج، وطلى حواليه بالمبردات القوية، وإذا افتصد من الغالب على بدنه الأخلاط، صار الفصد علة لثوران تلك الأخلاط وجريانها واختلاطها، فيحوج إلى فصد متواتر، والدم السوداوي يحوج إلى فصد متواتر، فيخف الحال في الحال، ويعقب عند الشيخوخة أمراضاً منها السكتة، والفصد كثيراً ما يهيج الحميّات، وتلك الحميات كثيرأً ما تتحلل العفونات وكل صحيح افتصد فيجب أن يتناول ما قلناه في باب الشراب.
واعلم أن العروق المفصودة بعضها أوردة، وبعضها شرايين، والشرايين تفصد في الأقل ويتوقى ما يقع فيها من الخطر من نزف الدم وأقلّ أحواله أن يحدث أنورسما، وذلك إذا كان الشق ضيقاً جداً إلا أنها إذا أمن نزف الدم منها كانت عظيمة النفع في أمراض خاصة تفصد هي لأجلها، وأكثر نفع فصد الشريان إنما يكون إذا كان في العضو المجاور له أعراض رديئة، سببها دم لطيف حاد، فإذا فصد الشريان المجاور له ولم يكن مما فيه خطر كان عظيم المنفعة والعروق المفصودة من اليد، أما الأوردة فستة: القيفال، والأكحل، والباسليق، وحبل الذراع، والأسيلم، والذي يخص باسم الإبطي، وهو شعبة من الباسليق، وأصلها القيفال. ويجب في جميع الثلاثة أن يفتح فوق المأبض لا تحته ولا بحذائه ليخرج الدم خروجاً جيداً كما يتروق ويؤمن أفات العصب والشريان، وكذلك القيفال وفصده الطويل أبطأ لالتحامه لأنه مفصلي، وفي غير المفصلي الأمر بالخلاف وعرق النسا والأسيلم وعروق أخرى الأصوب أن يفصد فيها طولاً، ومع ذلك ينبغي أن يتنحّى في القيفال عن رأس العضلة إلى موضع اللين ويوسع بضعه، ولا يتبع بضع بضعاً فيرم، وأكثر من وقع عليه الخطأ في موضع فصد القيفال لم يقع بضربة واحدة وأن عظمت، بل إنما تحدث النكاية بتكرير الضربات وإبطاء فصده التحاماً هو الذي في الطول، ويوسع فصده إن أريد أن يثني، وإذا لم يوجد هو طلب بعض شعبه التي في وحشي الساعد، والأكحل فيه خطر للعصبة التي تحته، وربما وقع بين عصبتين، فيجب أن يجتهد ليفصد طولاً ويعلق فصده، وربما كان فوقه عصبة رقيقة مممدودة كالوتر، فيجب أن يتعرف ذلك ويحتاط من أن تصيبها الضربة، فيحدث خدر مزمن.
ومن كان عرقه أغلظ فهذه الشعبة فيه أبين، والخطأ فيه أشد نكاية، فإن وقع الغلط فأصيبت تلك العصبة، فلا تلحم الفصد، وضع عليه ما يمنع التحامه، وعالجه بعلاج جراحات العصب، وقد قلنا فيها في الكتاب الرابع. وإياك أن تقرب منه مبرًداً من أمثال عصارة عنب الثعلب والصندل، بل مرخ نواحيه، والبدن كله بالدهن المسخن. وحبل الذراع أيضاً الأصوب فيه أن يفصد مورباً، إلا أن يكون مراوغاً من الجانبين فيفصد طولاً. والباسليق عظيم الخطر لوقوع الشريان تحته فاحتط في فصده، فإن الشريان إذا انفتح، لم يرقأ الدم، أو عسر رقوه .
ومن الناس من يكتنف باسليقه شريانان، فإذا أعلم على أحدهما، ظن أنه قد أمن، فربما أصاب الثاني، فعليك أن تتعرف هذا، وإذا عصب ففي أكثر الأمر يعرض هناك انتفاخ تارة من الشريان، وتارة من الباسليق فكيف كان، فيجب أن تحل الرباط ويمسح النفخ مسحاً برفق، ثم يعاد العصب، فإن عاد أعيد إليك فإن لم يغن فما عليك لو تركت الباسليق وفصدت الشعبة المسماة بالإبطية، وهي التي على أنسي الساعد إلى أسفل وكثيراً ما يغلط النفخ، وكثيراً ما يسكن الربط والنفخ من نبض الشريان ويعليه ويشهقه فيظن وريداً فيفصد. وإذا ربطت أي عرق كان فحدث من الربط عليه أشباه العدس والحمص فافعل به ما قلنا في الباسليق، والباسليق كلما انحططت فيفصده إلى الذراع، فهو أسلم. وليكن مسلك المبضع في خلاف جهة الشريان من العرق، وليس الخطأ في الباسليق من جهة الشريان فقط، بل تحته عضلة وعصبة يقع الخطأ، بسببهما. أيضاً قد خبرناك بهذا، وعلامة الخطأ في الباسليق وإصابة الشريان أن يخرج دم رقيق أشقر يثب وثباً، ويلين تحت المجسة وينخفض، فبادر حينئذ وألقم فم المبضع شيئاً من وبر الأرنب مع شيء من دقاق الكندر ودم الأخوين والصبر والمر، وتضع على الموضع شيئاً من القلقطار الزاج وترش عليه الماء البارد ما أمكن وتشقه من فوق الفصد وتربطه ربطاً بشد حابس فإذا احتبس، فلا تحل الشد ثلاثة أيام، وبعد الثلاثة يجب عليك أن تحتاط أيضاً ما أمكن، وضمد الناحِية بالموابض وكثير من الناس يبتر شريانه، وذلك ليتقلص العرق وينطبق عليه الدم فيِحبسه، وكثير من الناس مات بسبب نزف الدم ومنهم من مات بسبب ربط العضو وشدة وجع الربط الذي أريد بشده منع دم الشريان حتى صار العضو إلى طريق الموت.
واعلم أن نزف الدم قد يقع من الأوردة أيضاً، واعلم أن القيقال يستفرغ الدم أكثر من الرقبة وما فوقها وشيئاً قليلاً مما دون الرقبة ولا يجاوز حد ناحية الكبد والشراسيف، ولا تنقي الأسافل تنقية يعتدّ بها، والأكحل متوسّط الحكم بين القيفال والباسليق، والباسليق يستفرغ من نواحي تنور البدن إلى أسفل التنور، وجعل الذراع مشاكل للقيفال، والأسيلم يذكر أنه ينفع الأيمن منه من أوجاع الكبد، والأيسر من أوجاع الطحال، وأنه يفصد حتى يرقأ الدم بنفسه، ويحتاج أن توضع اليد من مفصوده في ماء حار لئلا يحتبس الدم وليخرج بسهولة إن كان الدم ضعيف الانحدار كما هو في الأكثر من مفصودي الأسيلم . وأفضل فصد الأسيلم ما كان طولاً. والإبطي حكمه حكم الباسليق.
وأما الشريان الذي يفصد من اليد اليمنى، فهو الذي على ظهر الكف ما ين السبابة والإبهام وهو عجيب النفع من أوجاع الكبد والحجاب المزمنة وقد رأى جالينوس، هذا في الرؤيا، إذ الرؤيا الصادقة جزء من أجزاء النبوّة كأن امراً أمره به لوجع كان في كبده ففعل فعوفي، وقد يفصد شريان اخر أميل منه إلى باطن الكفّ مقارب المنفعه لمنقعته.
ومن أحب فصد العرق من اليد فلم يتأت فلا يلحف في الكي، والعصب الشديد وتكرير البضع، بل يتركه يوماً أو يومين، فإن دعت ضرورة إلى تكرير البضع ارتفع عن البضعة الأولى ولا ينخفض عنها. والربط الشديد يجلب الورم، وتبريد الرفادة وترطيبها بماء الورد أو بماء مبرد صالح موافق. ويجب أن لا يزيل الرباط الجلد عن موضعه قبل الفصد وبعده.
والأبدان القضيفة يصير شذ الرباط عليها سبباً لخلاء العروق، واحتباس الدم عنها والأبدان السمينة بالإفراط، فإن الإرخاء لا يكاد يظهر العرق فيها ما لم يشتد، وقد يتلطف بعض الفصاد في إخفاء الوجع فيحدر اليد لشدة الربط وتركه ساعة، ومنه من يمسح الشعرة اللينة بالدهن. وهذا كما قلنا يخفّ وجعه ويبطىء التحامه.
وإذا لم تظهر العروق المذكورة في اليد وظهرت شعبها فلتغمز اليد على الشعبة مسحاً، فإن كان الدم عند مفارقة المسح ينصب إليها بسرعة فينفخها فصدت، وإلا لم تفصد، وإذا أريد الغسل، جذب الجلد ليستر البضع وغسل، ثم رد إلى موضعه وهندمت الرفادة وخيرها الكرية، وعصبت، وإذا مال على وجه البضع شحم فيجب أن ينحى بالرفق ولا يجوز أن يقطع وهؤلاء لا يجب أن يطمع في تثنيتهم من غير بضع، واعلم أن لحبس الدم وشد البضع وقتاً محدوداً وإن كان مختلفاً، فمن الناس من يحتمل ولو في حماه أخذ خمسة أو ستة أرطال من الدم، ومنهم من لا يحتمل في الصحة، أخذ رطل، لكن يجب أن تراعي في ذلك أحوالأ ثلاثاً: إحداها حقن الدم واسترخاؤه، والثانية لون الدم، وربما غلط كثيراً بأن يخرج أولاً ما خرج منه رقيقاً أبيض، وإذا كان هناك علامات الإمتلاء وأوجب الحال الفصد فلا يغترن بذلك، وقد يغلظ لون الدم في صاحب الأورام لأن الورم يجذب الدم إلى نفسه، والثالثة النبض يجب أن لا تفارقه فإذا خاف الحقن أن يغير لون الدم أو صغر النبض، وخصوصاً إلى ضعف فاحبس وكذلك إن عرض عارض تثاؤب وتمط وفواق وغثيان، فإن أسرع تغيّر اللون بل الحقن، فاعتمد فيه النبض، وأسرع الناس صادرة إليه الغشي، هم الحارو المزاج النحاف المتخلخلو الأبدان، وأبطؤهم وقوعاً في الأبدان المعتدلة المكتنزة اللحم. قالوا: يجب أن يكون مع الفصاد مباضع كثيرة ذات شعرة، وغير ذات شعرة، وذات الشعرة أولى بالعروق الزوالة كالوداج، وأن تكون معه كبة من خز وحرير ومقيأ من خشب، أو ريش، وأن يكون معه وبر الأرنب ودواء الصبر، والكندر ونافجة مسك ودواء المسك وأقراض المسك حتى إذا عرض غشي، وهو أحد ما يخاف في الفصد، وربما لم يفلح صاحبه بادر فألقمه الكبة وقيأه بالآلة وشممه النافجة وجرعه من دواء المسك أو أقراصه شيئاً فتنتعش قوته، وإن حدث بثق دم بادر فحسبه بوبر الأرنب ودواء الكندر وما أقلّ ما يعرض الغشي والدم بعد في طريق الخروج، بل إنما يعرض أكثره بعد الحبس إلا أن يفرط، على أنّه لا يبالي من مقاربة الغشي في الحميات المطبقة ومبادىء السكتة والخوانيق والأرام الغليظة العظيمة المهلكة، وفي الأوجاع الشديدة، ولا نعمل بذلك إلا إذا كانت القوة قوية، فقد اتفق علينا أن بسطنا القول بعد القول في عروق اليد بسطاً في معان أخرى، ونسينا عروق الرجل وعروقاً أخرى، فيجب علينا أن نصل كلامنا بها فنقول: أما عروق الرجل، فمن ذلك عرق النسا ويفصد من الجانب الوحشي عند، الكعب، إما تحته، وإما فوقه من الورك إلى الكعب، ويلف بلفافة أو بعصابة قوية، فالأولى أن يستحم قبله، والأصوب أن يفصد طولاً، وإن خفي، فصد من شعبة ما بين الخنصر والبنصر، ومنفعة فصد عرق النسا في وجع عرق النسا عظيمة. وكذلك في النقرس وفي الدوالي ودواء الفيل. وتثنية عرق النسا صعبة . ومن ذلك أيضاً الصافن، وهو على الجانب الإنسي من الكعب، وهو أظهر من عرق النسا، ويفصد لاستفراغ الدم من الأعضاء التي تحت الكبد ولإمالة الدم من النواحي العالية إلى السافلة، ولذلك يدر الطمث بقوة، ويفتح أفواه البواسير.
والقياس يوجب أن يكون عرق النسا والصافن متشابهي المنفعة، ولكن التجربة ترجح تأثير الفصد في عرق النسا في وجع عرق النسا بشيء كثير، وكان ذلك للمحاذاة. وأفضل فصد الصافن أن يكون مورباً إلى العرض، ومن ذلك عرق مأبض الركبة يذهب مذهب الصافن، إلا أنه أقوى من الصافن في إدرار الطمث وفي أوجاع المقعدة والبواسير.
ومن ذلك العرق الذي خلف العرقوب، وكأنه شعبة من الصافن، ويذهب مذهبه. وفصد عروق الرجل بالجملة نافع من الأمراض التي تكون عن مواد مائلة إلى الرأس، ومن الأمراض السوداوية وتضعيفها للقوة أشدّ من تضعيف فصد عروق اليد وأما العروق المفصودة التي في نواحي الرأس، فالأصوب فيها - ما خلا الوداج - أن تفصد مورباً.
وهذه العروق منها أوردة، ومنها شرايين. فالأوردة مثل عرق الجبهة، وهو المنتصب ما بين الحاجبين وفصده ينفع من ثقل الرأس وخصوصاً في مؤخره، وثقل العينين والصداع الدائم المزمن، والعرق الذي على الهامة يفصد للشقيقة وقروح الرأس، وعرقا الصدغين الملتويان على الصدغين وعرقا المأقين، وفي الأغلب لا يظهران إلا بالخنق. ويجب أن لا تغور البضع فيهما فربما صار ناصوراً، وإنما يسيل منها دم يسير. ومنفعة فصدهما في الصداع، والشقيقة، والرمد المزمن والدمعة، والغشاوة، وجرب الأجفان، وبثورها، والعشا، وثلاثة عروق صغار موضعها وراء ما يدق طرف الأذن عند الإلصاق بشعره. وأحد الثلاثة أظهر، ويفصد من ابتداء المأق، وقبول الرأس لبخارات المعدة، وبنفع كذلك من قروح الأذن والقفا، ومرض الرأس.
وينكر "جالينوس " ما يقال: أن عرقين خلف الأذنين يفصدهما المتبتلون ليبطل النسل، ومن هذه الأوردة الوداجان، وهما إثنان يفصدان عند ابتداء الجذام والخناق الشديد وضيق النفس والربو الحاد وبحة الصوت في ذات الرئة والبهق الكائن من كثرة دم حار وعلل الطحال والجنبين. ويجب على ما خبرنا عنه قبل أن يكون فصدهما بمبضع ذي شعرة. وأما كيفية تقييده، فيجب أن يميل فيه الرأس إلى ضدّ جانب الفصد ليثور العرق ويتأمل الجهة التي هي أشد زوالاً، فيؤخذ من ضذ تلك الجهة ويجب أن يكون الفصد عرضاً لا طولاً كما يفعل بالصافن وعرق النسا، ومع ذلك فيجب أن يقع فصده طولاً.
ومنها العرق الذي في الأرنبة وموضع فصده هو المتشقق من طرفها الذي إذا غمز عليه بالأصبع تفرق باثنين، وهناك يبضع، والدم السائل منه قليل. وينفع فصده من الكلف وكدورة اللون والبواسير والبثور التي تكون في الأنف والحكة فيه، لكنه أحدث حمرة لون مزمنة تشبه السعفة، ويفشو في الوجه فتكون مضرته أعظم من منفعته كثيراً. والعروق التي تحت الخششا مما يلي النقرة، نافع فصدها من السدَرِ الكائن من الدم اللطيف والأوجاع المتقادمة في الرأس، ومنها الجهاررك، وهي عروق أربعة، على كل شقة منها زوج فينفع فصدها من قروح الفم والقلاع، وأوجاع اللثة وأورأمها واسترخائها أو قروحها، والبواسير والشقوق فيها، ومنها العرق الذي تحت اللسان على باطن الذقن، ويفصد في الخوانيق وأورام اللوزتين، ومنها عرق تحت اللسان نفسه يفصد لثقل اللسان الذي يكون من الدم، ويجب أن يفصد طولاً، فإن فصد عرضاً صعب رقاء دمه، ومنها عرق عند العنفقة يفصد للبخر، ومنها عرق اللثة يفصد في معالجات فم المعدة.
وأما الشرايين التي في الرأس، فمنها شريان الصداغ، قد يفصد، وقد يبتر، وقد يسل، وقد يكوى، ويفعل ذلك لحبس النوازل الحادة اللطيفة المنصبة إلى العينين، ولابتداء الانتشار. والشريانان اللذان خلف الأذنين، ويفصدان لأنواع الرمد وابتداء الماء والغشاوة والعشا والصداع المزمن، ولا يخلو فصدهما عن خطر، ويبطؤ معه الالتحام.
وقد ذكر "جالينوس"، أن مجروحاً في حلفه أصيب شريانه وسال منه دم بمقدار صالح، فتداركه "جالينوس" بدواء الكندر والصبر ودم الأخوين والمر، فاحتبس الدم وزال عنه وجع مزمن كان في ناحية وركه.
ومن العروق التي تفصد في البدن عرقان على البطن: أحدهما موضرع على الكبد والآخر موضوع على الطحال ويفصد الأيمن في الاستسقاء والأيسر في علل الطحال.
واعلم أن الفصد له وقتان: وقت اختيار، ووقت ضرورة. فالوقت المختار فيه، ضحوة النهار بعد تمام الهضم والنفض، وأما وقت الاضطرار فهو الوقت الموجب الذي لا يسوغ تأخيره ولا يلتفت فيه إلى سبب مانع. واعلم أن المبضع الكال كثير المضرّة، فإنه يخطىء فلا يلحق ويورم ويوجع، فإذا أعملت المبضع فلا تدفعه باليد غمزاً بل برفق بالاختلاس لتوصل طرف المبضع حشو العروق، وإذا أعنفت فكثيراً ما ينكسر رأس المبضع انكساراً خفياً فيصير زلآقاً يجرح العرق، فإن ألححت بفصدك زدت شراً. ولذلك يجب أن يجرب كيفية علوق المبضع بالجلد قبل الفصد به وعند معاودة ضربه إن أردتها، واجتهد أن تملأ العرق، وتنفخه بالدم، فحينئذ يكون الزلق والزوال أقل.
فإذا استعصى العرق ولم يظهر امتلاؤه تحت الشد، فحله وشدّه مراراً وامسحه وانزل في الضغط واصعد حتى تنبهه وتظهره، وتجرب ذلك بين قبض أصبعين على موضع من المواضع التي تعلم امتداد العروق، فبهما تحبس، وتارة تحبس بأحدهما، وتسيل الدم بالآخر حتى تحسّ بالواقف، فشدّه عند الإشالة وجوزه عند التخلية، ويجب أن يكون لرأس المبضع مسافة ينفذ فيها غير بعيدة فيتعداها إلى شريان، أو عصب، وأشد ما يجب أن يملأ حيث يكون العرق أدقّ. وأما أخذ المبضع فينبغي أن يكون بالإبهام والوسطى، وتترك السبابة للجس وأن يقع الأخذ على نصف الحديدة ولا يأخذه فوق ذلك، فيكون التمكن منه مضطرباً، وإذا كان العرق يزول إلى جانب واحد فقابله بالربط والضبط من ضدّ الجانب، وإن كان يزول إلى جانبين سواء فاجتنب فصده طولاً. واعلم أن الشد والغمز يجب أن يكون بقدر أحوال الجلد في صلابته وغلظه، وبحسب كثرة اللحم ووفوره. والتقييد يجب أن يكون قريباً، وإذا أخفى التقييد العرق فعلم عليه، واحذر أن يزول عن محاذاة العلامة عرقك في التقييد، ومع ذلك فعلق الفصد، وإذا استعصى عليك العرق وإشهاقه، فشق عنه في الأبدان القضيفة خاصة، واستعمل السنارة ووقوع التقييد، والشد عند الفصد يمنع امتلاء العرق. واعلم أن من يعرق كثيراً بسبب الامتلاء، فهو محتاج إلى الفصد، وكثيراً ما وقع للمحموم المصدوع المدبر في بابه بالفصد إسهال طبيعي فاستغنى عن الفصد قطعاً.
●[ يتم متابعة : وجوه المعالجات بحسب الأمراض الكلية ]●
القانون فى الطب لإبن سينا
الكتاب الأول: الأمور الكلية فى علم الطب
منتدى حُكماء رُحماء الطبى . البوابة